تكررت قصة موسى -عليه السلام- وقومِه مع فرعون في القرآن الكريم؛ ففرعونُ تمادى في غيِّه، وعلا في الأرض، وجعل أهلها شِيَعًا.. وأَنزلَ الخسفَ ببني إسرائيل؛ لأن كاهناً أخبره أنَّ مولوداً في بني إِسرائيل يذهب مُلككَ على يَديهِ، فَثارت ثورتهُ، وأَمعن في غَيِّهِ، فذبَّحَ أَبناءَهم واستحيى نِسَاءَهم ، لكنَّ قُدرةَ الله –تَعالى- أعظم، فقدَّر لهؤلاءِ المستضعفينَ أن يرثوا مُلك هذا الطاغيةَ على يدِ طِفلٍ وهو موسى -عليه السلام- يَتربَّى في بيتهِ حتى بَلغَ أَشدّهُ واستوى عوده، وآتاهُ الله العِلمَ والحِكمةَ وكلمه الله وسَمِع مُوسَى دَعوةَ الله، مع أَخيهِ هَارون {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)} [ سورة طه]، وأيده الله بالمعجزات والبرهان؛ فكان يُلقي عصاه فإذا هي ثعبانٌ مبين، ويُخرجُ يدَه فتكونُ بيضاء للناظرين من غير سوء.. فيعرض موسى برهانَ ربِّه إلى فرعون وملئه، ولكن فرعون الذي غرّه مُلكه وطغت عليه سُلطته ودعاهُ جبروتُه لنفي الخير، فيظنونَه سِحراً تعوَّدُوا عليه وبرزوا فيه فجمعوا له السحرة فأتوا موعودين بالأجر {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)} [ سورة الأعراف ].
إنه الباطل يسحرُ العيون ويسترهبُ القلوب، وتتهيأ له الكثير من الوسائل وقد يطول وقته، ويُخيّلُ للكثيرين غلبته لكنه حين يُواجِه الحقَ الهادئ الواثق المسالم يَنطفئُ كَشُعْلَةِ الهشيم، فإِذا الحقُ رَاجحُ الوزن ثابتُ القَواعد، عميقُ الجذور؛ قال تعالى في سورة الشعراء :{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)، وليُشبعَ فرعونُ غيظه قال: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)} فيُهددّهُم بالقتل والتشويه فيردّون بقوّةِ الإيمانِ الذي دخل قلبوهم أمام جبروت فرعون وطغيانه {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)} [ سورة طه].
ويستمرُّ فرعون بمنابذةِ دعوةِ موسى وهارون -عليهم السلام- حتى استخفَّ قومَه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين، فأوصى الله موسى أن يسريَ بقومه ليلاً من مصر في اتجاه البحر، فاهتم لذلك فرعونُ وحشر الناس جميعاً في إثرَ مُوسى وقومه حتى أدركَهم عندَ البحر {فَأَرسَلَ فِرعَونُ فِي المَدائِنِ حاشِرينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرذِمَةٌ قَليلونَ(٥٤) وَإِنَّهُم لَنا لَغائِظونَ(٥٥) وَإِنّا لَجَميعٌ حاذِرونَ(٥٦) فَأَخرَجناهُم مِن جَنّاتٍ وَعُيونٍ(٥٧) وَكُنوزٍ وَمَقامٍ كَريمٍ(٥٨) كَذلِكَ وَأَورَثناها بَني إِسرائيلَ(٥٩) فَأَتبَعوهُم مُشرِقينَ(٦٠) فَلَمّا تَراءَى الجَمعانِ قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ (٦١) قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ(٦٢)} [سورة الشعراء].
فيوحي الله لموسى أن اضربْ بعصاكَ البحرَ فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ {اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ(٦٣)} فضربَه فانفلقَ بإذنِ الله تعالى اثنْي عشرَ طريقاً وسط البحر فدخلَ موسى وقومُه يمشون بينَ جبالِ الماء في طرقٍ يابسةٍ أيبسَها الله بلحظةٍ، يمشون آمنين فلما تكاملوا خارجين وتبعهَم فرعونُ بجنوده داخلين، فأمر الله البحرَ فعادَ لحالهِ، وهنا نسي فرعونُ تألهه و علياءَه ومجدَه.. وأدركَ حقيقةً تعامى عنها وخفيت عليه، وأبصر ضعفَ رأيه وحقارة شأنه، فذهب عنه كبرياؤه وظهر له الحقُّ فقال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ}، فيأتيه الجواب {ألآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91)}[ سورة يونس]، وانطبقَ الماء على فرعونَ وجنودِه حتى غَرِقُوا أجمعين.. فصاروا مثلاً للآخرين {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(92)}
وتنتهي قصةُ التأله والطغيان، ويكونُ النصرُ والغلبةُ لموسى وهارون وقومهم الذين كانوا على دينِ الله الحقّ ودعاتِه، ويورثُهم اللهُ أرضَ فرعونَ وقومَه، قال تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ(29)} [ سورة الدخان].
لقد كان ذلك يوماً مشهوداً سطره التاريخ في العاشر من محرم، وكانت العرب تُعظّمه، ولما جاء رسولُنا الكريم -صلوات ربي وسلامُه عليه- إلى المدينة وجدَ اليهودَ يصومونَه فسألهم عن صيامه فأجابوه بأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى -عليه السلام- وقومه من فرعون ونحن نصومه شكراً؛ فقال لهم : «نَحْنُ أَوْلَى بمُوسَى مِنكُ»، فصامه وأمر بصيامه، وقال عنه «أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».
إن قصة موسى وفرعون تكررت في القرآن الكريم لما فيها من تثبيت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ فهي تبعث التفاؤلَ وتُعطي الأملَ باليقين بنصر الله، وبأن دين الله غالب ومنتصر ، ولن يضرهم -بإذن الله- الطغيان ولا الظلم ولا دبير النفاق مهما انتفش الباطل وانتشر ومكر. ولذلك تكرار القصة في القرآن باعثاً للآمل الذي يحتاجه المؤمن خاصة في النائبات والابتلاءات والأزمات، وهو ما ينبغي أن يستحضره ويعلم أن الدين محفوظٌ بتعاليمه وعقيدته، وعباده المؤمنون في النهاية منصورون؛ قال الله تعالى { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } وقوله – سبحانه – { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ }.
وقفه مع ما يفعله الشيعة في يوم عاشوراء
ما يفعله بعض فرق الشيعة في يوم عاشوراء من ضرب الصدور ، ولطم الخدود ، وضرب السلاسل على الأكتاف ، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء ، محدث لا أصل له في دين الإسلام ، وما أنزل الله بها من سلطان، فهذه أمور منكرة نهى عنها النبي ﷺ ، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك -أو قريبا منه- لموت عظيم ، أو فقد شهيد ، مهما كان قدره ومنزلته. فقد استشهد في حياته ﷺ عدد من كبار أصحابه -رضوان الله عليهم جميعاً- الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة ، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء ، ولو كان خيرا لسبقنا إليه عليه الصلاة والسلام .
كما أن رسول الله ﷺ سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة وغيرهم يوم مصرع الحسين -رضي الله عنه- … وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين -رضي الله عنع- عن جده رسول الله ﷺ أنه قال: ( ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها ) رواه الإمام أحمد وابن ماجه. ” انتهى
وروى الإمام البخاري والإمام مسلم -رحمهما الله- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ). فهذه الأعمال المنكرة التي يعملها الشيعة في يوم عاشوراء لا أصل لها في الإسلام ، فإذا لم يعملها النبي ﷺ لأحد من أصحابه ، ولا عملها أحد من أصحابه لوفاته أو لوفاة غيره ، مع أن المصاب بمحمد ﷺ أعظم من موت الحسين رضي الله عنه ؟!!.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ” فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله – أي الحسين- رضي الله عنه ، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله ﷺ التي هي أفضل بناته ، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا ، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياءٌ”.
إن ما يقام في هذا اليوم من مراسمَ باطلةٍ للعزاءِ والنياحة ليست من الدين في شيء، وليست من مَحبَّةَ آل بيت رسول الله -ﷺ- فهم يخالفون عقيدته أصلاً؛ بالإشراك بالله ويغلون بالأئمة والآيات وينالون من الصحابة وأمهات المؤمنين ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويزرعون الفرقة بهذا الباطل في العالم الإسلامي.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.