«الإدارة المحلية والتنمية الشاملة»

  • — الجمعة سبتمبر 15, 2023

أية تنمية ساملة ومتكاملة يجب أن تغطي برامجها كافة مجالات احتياجات المجتمع (الصحة، التعليم، الاقتصاد، الثقافة، العمران، وغيرها من الخدمات)، وأن تكون موجهة إلى جميع فئات المجتمع (رجال، ونساء، وأطفال وشباب وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة)، ولذلك ارتبطت الإدارة المحلية بمفهوم التنمية الشاملة، نظراً لقربها وفهمها العميق لتنمية وإشباع حاجات المواطن المحلي؛ التي تركز على استغلال كافة الإمكانيات والموارد المتاحة محليا من أجل الارتقاء بالمجتمع المحلي في مختلف الميادين الحياتية!

تخضع السلطة الإدارية في تنظيمها إما إلى أسلوب المركزية الإدارية، إذ تتركز الوظيفة الإدارية في يد هيئة واحدة، أو إلى أسلوب اللامركزية الإدارية إذ يتم توزيع الوظائف الإدارية بين السلطة المركزية وهيئات محلية مستقلة، هذا الأسلوب يعرف بنظام الإدارة المحلية والتي تعتبر الوحدة الأساسية للإدارة والتسيير في إطار اللامركزية الإدارية، وهي تشكل الوسيط بين الإدارة المركزية والمواطن والهدف منها هو إدارة مرافق محلية ذات نفع عام.

وكون الإدارة المحلية ركيزة أساسية في التنظيم الإداري، فهي تملك سلطات وصلاحيات واسعة في العديد من مجالات الحياة المحلية، تؤدي من خلالها دور هام في تحقيق التنمية الشاملة على المستوى المحلي بهدف تحسين حياة الأفراد وترقية الخدمات العمومية، لذلك ارتبطت الإدارة المحلية بمفهوم التنمية الشاملة، التي تركز على استغلال كافة الإمكانيات والموارد المتاحة محليا من أجل الارتقاء بالمجتمع المحلي في مختلف الميادين.

ومن منطلق الاهتمام بالإدارة المحلية كإحدى آليات التنمية تسعى هذه الدراسة للإجابة على: كيف تساهم الإدارة المحلية في تحقيق التنمية الشاملة؟

وتدعيما لهذه المسألة طرحت الورقة التساؤل على محورين: ما مفهوم الإدارة المحلية والتنمية الشاملة؟، وما طبيعة العلاقة بين الإدارة المحلية والتنمية الشاملة؟

المحور الأول: الإطار المفاهيمي للإدارة المحلية و التنمية الشاملة

أولاً : مفهوم الإدارة المحلية

اختلف علماء السياسة والإدارة على وضع تعريف دقيق وشامل لمصطلح ” الإدارة المحلية ” فلكا منهما تعريف وفقا للحقل العلمي الذي ينتمي اليه.

ويرجع هذا الاختلاف والتباين حول تعريف الإدارة المحلية إلى اختلاف وتمايز النظم السياسية و الاجتماعية التي نشا في كنفها النظام الإداري من جهة، و اختلاف وجهات نظر المفكرين وفقهاء القانون حول العناصر المكونة له من جهة أخرى، وكذا للأهمية النسبية التي يخضعها المشرع على أي عنصر من هذه العناصر.

ونستعرض فيما يلي تعريفات بعض المفكرين والباحثين في مجال الإدارة المحلية لتجلية الأمر:

  1. تعريفات الإدارة المحلية

– في الفقه الإنجليزي: يعبر عن الإدارة المحلية بمصطلح ” الحكم المحلي” حيث تعرف على أنها ” حكومة محلية، تتولى هيئات محلية منتخبة، مكلفة بمهام إدارية وتنفيذية تتعلق بالسكان المقيمين في نطاق محلي محدد. ولها الحق في إصدار القرارات و اللوائح المحلية ” .

– في الفقه الفرنسي: يعبر عن الإدارة المحلية بمصطلح اللامركزية المحلية وعرفها بأنها:” هيئات محلية تمارس اختصاصات إدارية و تتمتع باستقلال ذاتي “.

– في الفقه العربي: تتعدد تعاريف الإدارة المحلية فهناك من يعرفها عل أنها : ” أسلوب إداري يجري بمقتضاه تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات ذات مفهوم محلي يشرف على إدارة كل هيئة إدارة عامة على أن تستقل كل هيئة بمواردها المالية وترتبط بالحكومة المركزية بعلاقات يحددها النظام.

–  و يعرفها فريق آخر على أنها : ” أسلوب من أساليب التنظيم الداري للدولة، ويقوم على فكرة توزيع السلطات و الوظائف بين الأجهزة المركزية و المحلية و ذلك لغرض أن تتفرغ الحكومة المركزية لرسم السياسة العامة للدولة .

 و يعرفها آخر بأنها:” توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية أو مصلحيه منتخبة بحيث تكون هذه الهيئات في ممارستها لوظيفتها الإدارية تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزية.

ومن خلال التعريفات السابقة يمكن أن نتبنى التعريف الآتي :

” الإدارة المحلية هي أسلوب من أساليب التنظيم المحلي، تتضمن توزيع الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية وهيئات محلية منتخبة ومستقلة [مجالس بلدية] تمارس ما يناط لها من مهام واختصاصات تحت إشراف ورقابة الإدارة المركزية”.

2- مقومات الإدارة المحلية

أ- وجود مصالح محلية متمايزة عن المصالح الوطنية، إن اعتراف النظام بالتمايز الموجود حقيقة بين المصالح المحلية الإقليمية و المصالح الوطنية؛ هو اعتراف بقدرة الهيئات المحلية على تلبية و إشباع حاجات المواطن المحلي.

ب- إنشاء وقيام أجهزة محلية مستقلة ومنتخبة [مجلس بلدي]: تعهد قانونيا إدارة وتسيير المصالح المحلية إلى هيئات وأجهزة محلية مستقلة عن الإدارة المركزية وذلك بإضفاء الشخصية المعنوية عليها، وأن تكون منتخبة من سكان المنطقة-المدينة.

ج- الخضوع للوصاية الإدارية: تمثل الإدارة المحلية صورة من صور الإدارة الذاتية حيث تقوم بتسيير شؤونها بواسطة منتخبها مع خضوعها لرقابة الإدارة المركزية تحت ما يعرف أشخاص الهيئات اللامركزية وأعمالهم قصد حماية المصلحة العامة. و تتجلى مظاهرها من خلال: 

  • الرقابة على هيئات ومجالس الإدارة المحلية في حد ذاتها
  • الرقابة على الأشخاص والأعضاء في تلك الهيئات
  • الرقابة على العمال والتصرفات الصادرة عن الإدارة المحلية

3- الأسباب الداعية إلى تبني نظام الإدارة المحلية:

يعتبر تبني نظام الإدارة المحلية موحدة تقريبا في أغلب الدول، والتي يمكن حصر مهامها فيما يلي:

أ- تزايد مهام الدولة: كانت مهام الدولة القديمة تقتصر على مجالات الأمن والعدالة والدفاع ومع ظهور المفهوم الجديد للدولة القومية تطورت وظائف الدولة حيت أصبحت تعني المسائل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، هذا التنوع في النشاط والتعدد في المهام فرض إنشاء هياكل لمساعدة الدولة في الدور المنوط بها والمتمثلة في الإدارة المحلية.

ب- التفاوت بين أجزاء الدولة تختلف الأقاليم [المناطق] من الناحية الجغرافية فهناك المناطق الساحلية والمناطق القريبة من العاصمة والمناطق البعيدة عنها، كما تختلف من حيث تعداد السكان، والإمكانات السياحية و الثروات الطبيعية مما يغرض بالضرورة الاستعانة بإدارة محلية لتسيير شؤون ذلك الإقليم أو المنطقة.

ج- المشاركة المجتمعية: الإدارة المحلية تفتح الطريق أمام مشاركة المواطنين كل في نطاقه المحلي. 

ثانيا : مفهوم التنمية الشاملة

1- تعريف التنمية الشاملة

تعرف التنمية الشاملة على أنها عملية تحول تاريخي متعدد الأبعاد يمس الهياكل الاقتصادية، الاجتماعية و السياسية، كما يتناول الثقافة الوطنية، و هو مدفوع بقوى داخلية و ليس مجرد استجابة لرغبات قوى خارجية، وهو يجري في إطار مؤسسات سياسية تحظى بقبول عام و تسمح باستمرار التنمية.

2- عناصر التنمية الشاملة

تدرج ضمن التنمية الشاملة أربعة عناصر أساسية لابد أن تتوفر كلها:

أ- الشمول : بمعنى أن التنمية المتكاملة يجب أن تغطي برامجها كافة مجالات احتياجات المجتمع، صحة اقتصاد، التعليم، الثقافة، العمران، وغيرها، وأن تكون موجهة إلى جميع فئات المجتمع من رجال، نساء، أطفال وشباب كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

ب- التوازن : و يعني تحديد معدلات الاستثمار في كل مجال بالنسبة الملائمة، حيث قد يقتضي الأمر في ظرف ما زيادة الاهتمام بالخدمات التعليمية أو الصحية أو الاقتصادية آو المرتبطة بالطفل و تعديل نسب هذه البرامج أو درجة الاستثمار فيها في مجتمع ما، كما يتناول التوازن أيضا دور الجهود الحكومية و غير الحكومية .

ج- التنسيق: و مع صفة الشمول و التوازن يتطلب الأمر أيضا قدرا مناسبا من التنسيق لمنع التداخل بين البرامج، و لتحديد الأدوار و ترقيتها على ضوء وضوح أهداف عملية التنمية. 

د-  التعاون و التفاعل الايجابي: يجب أن يكون هناك تعاون وتأثير متبادل بين أنشطة المجتمع وعناصر الحياة الاجتماعية، سواء كانت أجهزة التنمية حكومية أو غير حكومية، ويتعين إيجاد المناخ و التنظيم الملائمين والبناء الايجابي بين هذه الأجهزة حتى يكون تأثيرها المتبادل ايجابيا. كما أن معيار نجاح أي تنمية إنما يكون بتكامل أنشطتها لتحقيق مستوى معين من التطور، ولا يأتي ذلك إلا بتخطيط محكم قائم على أساس من الاختصاص العلمي و ليس على التنبؤات الشخصية.

3- عوامل نجاح التنمية المحلية الشاملة :

  • توفر الإطار التشريعي والقانوني الذي يمنح للمجالس المحلية السلطات والصلاحيات الواسعة والاستغلال المالي ويرفع الوصاية في تدبير الشأن الجماعي على مستوى التسيير وعلى مستوى البحث عن موارد جديدة.
  • توفر الكفاءة العالمية والقانونية في المترشح لعضوية المجالس المحلية وهي مسالة ضرورية لحماية مصالح الجماعة من الوقوع في أيدي ممثلين يفتقدون القدرة على تدبير الشأن العام.
  • تثمين المبادرات المحلية واقتراحات تنظيمات المجتمع المدني وكذا البرامج الجزائية.
  • توفر قدرة من التمويل المحلي والعمل على تنويع الاستثمارات.
  • تشجيع الشراكة بين المجالس المحلية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في المشاريع التنموية على المستوى المحلي.
  • إشاعة قيم الشفافية والمحاسبة و المشاركة.

ثالثا: العناصر المحلية لتحقيق تنمية شاملة

 إن التنمية تحتاج إلى تنظيم والتنظيم يحتاج إلى حركة وفاعلية تتمثل في الإدارات التي تقوم بمهام التخطيط، والتوجيه، والرقابة، وعلى هذا الأساس يكون للعمليات الحق في إدارة شؤونها المحلية ووضع الخطط والتنظيمات الكفيلة بتحقيق أهداف الإدارات والمصالح المحلية، وتتمثل الإدارات المحلية المنوطة بتحقيق تنمية شاملة في:

1- البلدية المحلية:

البلدية تتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة، وهي تعد القاعدة الإقليمية للامركزية ومكان لممارسة المواطنة، وتشكل إطار مشارك المواطن في تسيير الشؤون العمومية.

2- الولاية [المنطقة]  :

تتمتع بالشخصية المعنوية و الذمة المالية المستقلة، و للولاية هيئتان هما : المجلس الحاكم الإداري ومجلس المنطقة، وهي كوحدة تصل بين الدولة والدائرة (الأمانة)، فهي لا تعد خلية لا مركزية فقط بل هي أيضا دائرة إدارية تعكس نشاط الإدارات المركزية .

تتمتع المنطقة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتقوم بنشاطات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تحت رقابة السلطة المركزية ويتولى ادارة المنطقة الحاكم الإداري والمجلس، بالإضافة الى الاجهزة العامة في الدولة.

3- الدائرة [الأمانة]:                                                                                                                                              

تعتبر الدائرة (الأمانة) همزة الوصل والوسيط بين البلدية المحلية والمنطقة الإدارية، وتعتبر جهة إدارية مستقلة وتابعة للمنطقة وتضم مجموعة من البلديات المحلية.

المحور الثاني : علاقة الإدارة المحلية بالتنمية الشاملة

أولا : الإدارة المحلية و التنمية الاقتصادية

تعبر التنمية الاقتصادية عن كل الجهود التي تستهدف تحقيق نمو اقتصادي وتنويع الاقتصاد وجعله متعدد الهياكل وتطوير الوسائل المساعدة للقيام بذلك.

أما عند الحديث عن التنمية الاقتصادية المحلية فهي تعبر عن العمل عل بناء القوة الاقتصادية لمنطقة ما محليا وذلك بغية تحسين مستقبلها الاقتصادي ومستوى نوعية الحياة لسكان تلك المنطقة وتزايد الاعتماد على المدخرات المحلية كمصدر للاستثمار.

إذن فالتنمية الاقتصادية المحلية هي تلك العملية التي تعمل من خلالها المجالس المحلية على خلق الظروف الأحسن لتحقيق نمو اقتصادي و مستوى حياة محسن للجميع و هي تهدف إلى وضع مخططات يكون الغرض منها تطوير الوضعية الاقتصادية للمجموعة المحلية سواء كانت في الجانب الصناعي التجاري الفلاحي وذلك أساس على أن الجانب الاقتصادي ينعكس على باقي جوانب الحياة.

لذلك تسعى الإدارة المحلية جاهدة على تحقيق تنمية اقتصادية على المستوى المحلي من خلال :

المساهمة في إعداد خطط التنمية و الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية المحلية و توجيهها نحو المشروعات الانتخابية و الخدمية، لخلق فرص عمل لمواطني الوحدات المحلية، وتشجيع تجميع رؤوس الأموال المحلية وتوجيهها نحو مشروعات استثمارات.

فالبلدية تعمل عن طريق المجلس البلدي على تطوير الأنشطة الاقتصادية المسيطرة في برنامجها التنموي و تشجيع المتعاملين الاقتصاديين، كما يعمل على توجيه وتنسيق ومراقبة الأنشطة المحلية، وبالتعاون مع الهيئة التنفيذية البلدية، يطالب المجلس بإحداث تعاونيات إنتاجية وأجهزة التنسيق والتسويق للإنتاج وتشجيع الاستثمارات، كما يقوم المجلس بإعداد وتحضير برامج إنعاش المنتجات ، وتموين أعضاء التعاونية بالتجهيزات والخبرات .

فالبلدية تقوم بكل مبادرة أو عمل من شانه تطوير النشاط الاقتصادي وذلك عن طريق حق المبادرة بإنشاء مشروعات والبحث عن النشاط الاقتصادي.

في حين تساهم المنطقة في خلق وتحديد المناطق الصناعية التي سيتم إنشاؤها أو التي سيتم إعادة تأهيلها، كما أن للمجلس أن يطور أعمال التعاون والتواصل بين المتعاملين الاقتصاديين من اجل ترقية مختلف القطاعات الاقتصادية (الصناعي، التجاري، الزراعي) قصد ضمان محيط ملائم للاستثمار. إضافة إلى ذلك تتكفل المنطقة بالتنسيق مع نشاطات البلديات القيام بعمليات استثمار تستغل فيها رؤوس الأموال المخصصة لها و بالتالي تحسين الدخل الفردي.

ثانيا: الإدارة المحلية والتنمية السياسية

هي التنمية التي تقوم بتفعيل المشاركة السياسية وحرية الرأي وتعبير وضمان احترام الحريات الأساسية كما قوم التنمية السياسية على ترشيد الحكم.

وتقوم الإدارة المحلية بالتنمية السياسية على المستوى المحلي من خلال تقريب السلطة من المواطنين وأفراد المنطقة محليا حيث تمكن من الاتصال المباشر بين المواطنين و ممثلي الإدارة المحلية من خلال عقد اللقاءات و الاجتماعات و الندوات و الحملات التحسيسية بضرورة المشاركة السياسية للمواطن من خلال اختيار من يمثله في المجالس المحلية البلدية باعتبارها الجماعة التي يلجأ إليها المواطن و يتعامل معها مباشرة في حل مشكلاته و تلبية حاجياته.

هذا بالإضافة إلى إتاحة فرص التنشئة السياسية للمواطنين والوعي السياسي أي بنشر الثقافة المشاركة السياسية لدى الأفراد ومتابعتهم لكل المستجدات (تنمية روح المواطنة).

تعمل الإدارة المحلية على تحقق تنمية سياسية على المستوى المحلي بتنمية قدرات المواطنين على إدراك مشكلاتهم بوضوح وتنمية قدراتهم على تعبئة كل الإمكانيات المتوفرة لمواجهة هذه التحديات والمشكلات إذن تعمل الإدارة المحلية على تعزيز روح الانتماء والانجاز مما يساعد على تحقيق الاستقرار المحلي.

العمل على جعل نتائج الانتخابات البلدية أكثر شفافية ومما سبق ذكره فيما يخص دور الإدارة المحلية في تحقيق التنمية السياسية تستنتج أن للإدارة المحلية أيضا دور في القضاء على الأزمات والمتمثلة في:

  • أزمة المشاركة: هو مجتمع للأشخاص التعبير عن أراءهم ولا يسمح بالنقد والمراقبة.
  • أزمة التمثيل: بمعنى وجود فئات داخل المجتمع لا تجد من يمثلها داخل النظام
  • أزمة التغلغل: و هي عجز المؤسسات الإدارية و السياسية إلى الوصول إلى كافة أفراد المجتمع ومعرفة متطلباتهم وجعلهم يحترمون القانون .
  • أزمة الشفافية من خلال إمكانية الاطلاع على المداولات والحصول على نسخة منه.

ثالثا : الإدارة المحلية و التنمية الاجتماعية الثقافية

ينبغي الإشارة إلى انه لا يمكن الفصل بين التنمية الاجتماعية و التنمية الاقتصادية لارتباطهما ببعضهما البعض، إذ تعمل التنمية الاجتماعية على خدمة الإنتاج من ناحية و خدمة الإنسان من ناحية ثانية، كما تهدف التنمية الاقتصادية إلى رفع مستوى الدخل من ناحية و إلى توفير فرص متكافئة من الخدمات لأفراد المجتمع من ناحية أخرى وبذلك يمكن تعريف التنمية الاجتماعية: بأنها العملية الاجتماعية الواعية الموجهة نحو إيجاد تحولات في البناء الاجتماعي الاقتصادي، بحيث تكون قادرة على تنمية طاقات إنتاجية مدعمة ذاتيا، تؤدي إلى تحقيق زيادة منتظمة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد، و في نفس الوقت تكون موجهة نحو تنمية علاقات اجتماعية سياسية تكفل زيادة الارتباط بين المكافئة وبين كل من الجهد والإنتاجية كما تستهدف توفير الاحتياجات الأساسية للفرد و ضمان حقه في المشاركة وتعميق أمنه واستقراره في المدى الطويل .

وتعمل الإدارة المحلية على تحقيق التنمية في المجال الاجتماعي من خلال مجموعة من المؤشرات الأساسية التي نستطيع من خلالها الحكم على مدى التنمية في المجتمع:

الصحة: تتولى البلدية مجموعة من الوظائف في المجال الصحي للحفاظ على الصحة البشرية و ذلك بالسهر على المحافظة على النظافة العمومية، و طرق معالجة المياه القذرة، و توزيع المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى دورها في مكافحة ناقلات الأمراض المعدية، كما تلتزم البلدية بإنجاز مراكز صحية قاعات للعلاج و صيانتها و ذلك في حدود قدراتها المالية مع السهر على نظافة المواد الاستهلاكية المعروضة للبيع؛ ومع هذا فان للمنطقة أيضا دور في رفع مؤشرا للصحة إذ يتولى المجلس في مجال الصحة العمومية انجاز الهياكل الصحية التي تتجاوز قدرات البلدية كما أن لها صلاحيات أخرى من شانها تنمية القطاع الصحي والحفاظ على سلامة المواطنين و يتمثل ذلك خاصة في تشجيع تدابير الوقاية من الكوارث والآفات الطبيعية و المبادرة لإنجاز أشغال التهيئة و التطهير و تنمية مجاري المياه في حدود إقليمها.

السكن (التهيئة العمرانية): تقوم البلدية بدور رئيسي في مسائل السكن التي هي شرط أساسي للحياة العائلية، فهي تهدف إلى الحث على أي عمل أو برنامج في مجال الإسكان والتعمير وتطبيقه ومراقبته في مجالها الإقليمي وتحت على تسهيل انجاز السكنات والتجهيزات الجماعية الكفيلة بضمان أحسن الظروف السكنية والحياتية للجماعات على مستوى البلدية بتشجيع كل مبادرة تستهدف الترقية العقارية على مستوى البلدية بحيث تشجع على إنشاء التعاونيات العقارية في تراب نطاق البلدية وتشارك بالأسهم لإنشاء المؤسسات وشركات البناء العقارية.

في حين تعمل المنطقة على تدعيم البلديات فيها يخص تطبق برامجها الإنسانية وتقوم بتقديم مساهمات لإنشاء المؤسسات و شركات البناء العقاري، بالإضافة الى المبادرة و المشاركة في ترقية برامج السكن المخصصة للإيجار، و المشاركة في عمليات الإصلاح و إعادة البناء بالتشاور مع البلديات

التضامن الاجتماعي أو النشاط الاجتماعي: تعمل الإدارة المحلية على المبادرة والتشجيع والمساهمة في برامج ترقية التشغيل لاسيما اتجاه الشباب، وتساهم في كل نشاط اجتماعي يهدف إلى مساعدة الطفولة والمعوقين والمسنين و المعوزين و المتشردين و المرضى عقليا [نفسياً] بحيث تتكفل بها في إطار السياسات العمومية والوطنية.

في مجال الأمن و الخدمات الطارئة : تعمل الإدارة العامة على الحفاظ على النظام العام بواسطة جهاز الشرطة أو الحرس الوطني، كما توفر وسائل الإسعاف في حالة ما إذا حدثت كارثة مع وضع الاحتياطات الوقائية الأزمة لمواجهة الأخطار الكوارث هذا بالإضافة إلى حفظ امن مواطني المنطقة و زائريها داخل الحدود الإقليمية للبلدية.

في المجال الثقافي التعليمي :

هي التنمية التي تمس قطاعات التربية و التعليم و العلوم و التكنولوجيا و النشاطات الثقافية من اجل تطوير الجانب الثقافي للمجتمع و القضاء على الأمية و رفع المر دودية المدرسية و رفع مستوى تعلم السكان على صعيد المجتمع الوطني أما عن دور الإدارة المحلية في تحقيق التنمية الثقافية على المستوى المحلي فانه يظهر من خلال :

في مجال التربية : تتكفل البلدية بإنجاز مؤسسات التعليم الأساسي وصيانتها، والقيام بكل إجراء من شانه أن يشجع التعليم ما قبل المدرسي ويعمل على ترقيته، كإنشاء مركز متخصصة و توظيف مدرسين مختصين في هذا المجال، زيادة على صيانة المساجد و المدارس القرآنية الموجودة في إقليمها والمحافظة على الممتلكات الدينية

في المجال الثقافي: تقوم البلدية في المجال الثقافي بصيانة كل الهياكل والأجهزة المكلفة بالشباب والثقافة وصيانة المراكز الثقافية التابعة لها لتنشيط الحياة الثقافية، وإذا سلمت الحكومة في هذا الميدان للبلدية مهمة تسير جميع المؤسسات و المرافق المتعلقة بالثقافة الوطنية و منحتها حق الانتفاع بمداخلها، فأصبحت البلدية هي لتي تتولى تسير المصالح الثقافية كالمسارح و الملاعب.

و بما أن البلدية لا تعمل بمعزل عن المنطقة فان دور هذه الأخيرة يتمثل في انجاز و صيانة مؤسسات التعليم الثانوي و التقني ومركز التكوين المهني، كما تسعى بموجب مخططاتها إلى إنشاء مرافق ثقافية ورياضية وترفيهية، وتقديم دعمها ومساعداتها لهذه المرافق كما تتولى ترقية التراث الثقافي بالمنطقة بالتنسيق مع البلدية. وليست العبرة بعدد الهياكل بل بالخدمة الحقيقية المقدمة فهناك -مثلاً- العديد من المدارس مهجورة بسبب انعدام أو إهمال التنمية في باقي المجلات الأخرى.

رابعا: الإدارة المحلية والتنمية الإدارية

هي عملية مخططة هادفة و مقصودة تشمل الأفعال و السلوكيات التي تستهدف تحسين الهيكل و التنظيم و وضعية الأفراد داخل المنظمة، و تحسين الخدمات التي تقدمها المؤسسات الإدارية و هذا في خدمة غاية أسمى و هي جعل الإدارة في خدمة التنمية و مواكبتها تغيرات الحاصلة.

وتسعى الإدارة المحلية جاهدة لتطوير الخدمات الإدارية المقدمة للمواطن خاصة من حيث تخفيض التكلفة و سرعة المعاملات و هو ما جعلها تعمل على تأهيل الموارد البشرية العاملة في القطاع الإداري و تعمل على تقليص الفساد و القضاء على البيروقراطية عبر تسريع عملية صنع القرار و من اجل خدمة أفضل أصبحت الإدارة المحلية اليوم تتجه نحو تبني الإدارة الإلكترونية و توظيف تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في تقديم تلك الخدمات و يتجلى ذلك من خلال الشروع في رقمنة مصالح الحالة المدنية (البلدية الرقمية) . 

خامسا:  الإدارة المحلية و التنمية البيئية  

هي تلك التنمية التي تهدف إلى حماية البيئة من التلوث ومختلف الاعتداءات خاصة نلوث الهواء والماء والتربة وذلك بوضع ضوابط معينة. وتعتبر الإدارة المحلية المؤسسة الرئيسية لتطبيق تدابير حماية البيئة لذلك فهي تسهر على النظام والأمن و تقوم بالنظافة وحفظ البيئة والصحة العامة وذلك من خلال:

  • حماية الموارد الطبيعية وخاصة المائية من أي مخالف، ومعالجة مياه الصرف وجميع أنواع النفايات الصلبة.
  • محاربة البناء الفوضوي وحماية المناطق الزراعية في مخطط التهيئة العمرانية.
  • مكافحة كافة أشكال التلوث، ولها حق رفض أي مشروع يؤثر على البيئة.
  • تُشجع على تأسيس جمعيات المجتمع المدني والغير ربحية في مجالات التنمية البيئية.
  • إنشاء وتوسيع وصيانة الطرق والحدائق و المنتزهات والتشجير.

 ختاماً :

من خلال ما سبق نستنتج أن الإدارة المحلية تؤدي دورا كبيرا و هاما في تحقيق التنمية الشاملة على المستوى المحلي وهذا بحكم أنها قريبة من المواطن وشريكه له، وما يتضح من خلال الدراسة بإن نجاح عمل الإدارة المحلية في سيرها نحو تحقيق تنمية شاملة على المستوى المحلي، لابد أن يكون في ظل الشراكة مع المجتمع المدني من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى، ذلك أن الإدارة المحلية وحدها تكون عاجزة عن تلبية حاجات المواطنين المتزايدة عندما تصطدم بمجموعة من الصعوبات والعراقيل التي تؤثر على أداء دورها التنموي والخدماتي، وتحول دون تحقيق الأهداف المرجوة، ويمكن إيجاز الصعوبات والعراقيل كما يلي :

  • تضارب مصالح أعضاء المجالس البلدية المحلية مما يعرقل عملية التنمية ويعيق تحقيق المصلحة العامة.
  • تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة داخل المجالس البلدية المحلية بوصول أشخاص غير مؤهلين.
  • محدودية الموارد المالية وإشكالية التمويل.
  • عدم كفاءة الإداريين وتدني مستواهم وكفاءتهم.

هذه التحديات تعيق -في الدول النامية- عمل الإدارة المحلية والارتقاء به إلى مستوى المؤسسة العصرية القادرة إدارة شؤون المدينة وتقديم الخدمات المتكاملة، وإنجاز تعاملات المواطنين والتواصل معهم وتفعيل المشاركة المجتمعية، وجعلها آلية ناجعة تتبنى الإصلاحات والتطوير عبر خلق وعي عام بأهميتها وتعبئة المجموعات المحلية وتعميمها لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في المدن!