«لماذا 90 % من الشركات الناشئة لم تتمكن من الاستمرار؟»

  • — الأحد مايو 05, 2024

في عام 2023 أغلقت في أميركا فقط (3200) شركة ناشئة،  وكانت قد هذه الشركات قد جمعت مبلغ (27) مليار دولار من الجولات التمويلية، وهذا الرقم لا يشمل الشركات التي فشلت بعد طرحها للاكتتاب العام، أو تمكنت من العثور على مشتر لأصولها أو عملياتها؟!!

وأشارت تقديرات صادرة عن “Embroker” أن 90% من الشركات الناشئة، لم تتمكن من الاستمرارية، وأن 10% منها تتوقف عن العمل خلال السنة الأولى، بينما 70% منها أغلقت أبوابها خلال سنتين إلى خمس سنوات.

إنها الإدارة الساذجة!!!

اللحظة التي يتنفّس فيها الصعداء بعض رواد الأعمال، هي لحظة نجاحه في جولة تمويلية والحصول على تمويل سواء من مستثمـر مغامر أو من مسرّعة أعمال جريئة؛ لا يوجد غالبا لحظة أهم أو أكثر تأثيرا في حياة المشـروع الناشئ من أن يحصل على شريان من الأموال تتيح له “البقاء” أولاً، ثم التوسّع والازدهار ثانياً، وبالتالي تعميق الوجود في الأسواق، وإثبات قوة العلامة التجارية للشركة الناشئة.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون من روّاد الأعمال أن تدفّق التمويل -خصوصا التمويل الذي يضم أكثر من ستة أصفار- لا يعني بالضرورة أن الشركة الناشئة قد كُتِب لها النجاح، وأنها تجاوزت مرحلة الخطر؛ ففي الواقع، قد يكون هذا التمويل هو مجرد موجة عالية ترفع المشروع لأعلى بعض الوقت، ثم تهوي إلى نقطة البداية، أو الاختفاء تماما في أحيان أخرى.

وفيما يلي نماذج لبعض الشركات الناشئة التي فشلت إدارتها رغم امتلاكها تمويلاً ضخماً:

شيب (Shyp).. شركة “واعدة” انهارت رغم وفرة التمويل

تأسست شركة “شيب” (Shyp) الناشئة في العام 2013 بواسطة رواد الأعمال “كيفين غيبون وجوشوا سكوت وجاك سميث”، كانت الآمال والطموحات فوق السحاب. شركة ناشئة ممتازة قدّمت نموذجا تجاريا مرغوبا بشدة في ذلك الوقت (خدمة شحن وتوصيل للمواد بشكل ذكي)، أدى إلى إقبال شديد من المستخدمين في بدايات إطلاق الشركة

كان السبب في هذا التباطؤ قرارات خاطئة وتأخّرا في تعديل وتجديد اتجاهاتها السوقية ورفع مستوى خدمة العملاء واستهداف شرائح جديدة. انشغلت الشركة بالتوسع أفقيا في المدن، بينما أهملت تطوير خدماتها لتشمل الشركات أو تقديم خصائص تنافسية أو تعديل هيكلها، مما قادها إلى انحسار كبير في الأسواق. صحيح أن المؤسس انصاع أخيرا في العام 2017 لنصائح الاستشاريين بإبطاء التوسع الأفقي والتركيز على تطوير خدمات أفضل لشرائح أوسع من العملاء، إلا أن هذه الخطوات جاءت بعد فوات الأوان وبعد سلسلة من الأخطاء لم يكن في الإمكان إصلاحها.

شركة “Beepi”.. أن تفشل وبحوزتك استثمارات بقيمة 150 مليونا!

على الرغم من النجاح المبدئي الذي حققته الشركة في الأسواق كمنصّة رقمية لبيع وشراء السيارات المستعملة، وكواحدة من أشهر الشركات الناشئة التي عملت فيما يسمى “سوق الطلب” (On demand – Marketplace) للسيارات والذي أدّى إلى زيادة تمويلها لاحقا في جولات تمويلية أكبر، فإن ثمة شيئا ما خطأ كان يدور في إدارتها بشكل كبير. حيث ذكـر موقع “تيك كرانش” (Techcrunch) التقني أن المديرين التنفيذيين للشركة كانوا ينفقون 7 ملايين دولار شهريا كرواتب كبيرة للغاية لموظفي الشركة، فضلا عن إسرافهم الشديد في تأثيث مقر الشركة لدرجة أنهم قاموا بشراء أريكة واحدة بمبلغ 10 آلاف دولار، وبقدوم خريف العام 2016 حيث كانت الشركة التي تملك تمويلا ضخما تبيع نحو 153 سيارة فقط شهريا في كاليفـورنيا، مقارنة بالمتوسط الذي تعتاد مؤسسات السيارات المستعملة بيعه وهو 8.500 سيارة شهريا!

شركة “Juicero”.. التمويل الضخم لن يحميك من انتقادات العميل

في العام 2013، تأسست شركة “جويسيرو” (Juicero) الناشئة التي تعمل على تطوير جهـاز ذكي لإنتاج العصائر الطبيعية الفاخرة. الجهاز متصل بشبكة “الواي فاي”، يُباع معه مجموعة من الخضراوات والفواكه المعبّأة في أكياس وأغلفة خاصة مُحكمة الغلق توضع داخل الجهاز الذي يقوم بعصـرها واستخلاص العصائر منها بشكل نظيف وآمن وسريع. وجاء الطرح الأول للجهاز في السوق الأميـركي بسعر 700 دولار للوحدة.

لم يلق المُنتج الاهتمام الكافي من السوق، بل وبدأت صيحات الاعتراض الساخطة تتعالى من المشترين الذين اعتبروا سعر الجهاز مرتفعا للغاية لأداء غرض بسيط مثل عصر الفاكهة والخضـراوات، وأن سعر 700 دولار حتما سعر مبالغ فيه. تزايدت هذه الاعتراضات عندما قام موقع “بلومبيرغ” العالمي الشهير المتخصص في أخبار وتحليل الأداء الاقتصادي باستعراض الجهـاز بفيديو ساخر، مشيرا إلى أنه لا يؤدي حتى الغرض الذي يُصنّع من أجله، وأنه يعتبر استنزافا لجيوب المشترين بدون أي طائل.

كانت قصة صعود وانهيار شركة “جويسيرو” واحدة من أكثر القصص التي أدت إلى هجوم كبير على سياسات وادي السيليكون في تمويل الشركات، لدرجة أن شبكة “CNET” الشهيرة أصدرت مقالا مطولا يقول إن نموذج “جويسيرو” تحديدا يعتبر المثال الأبرز على “غباء” وادي السيليكون. وواحدة من أهم نماذج فشل الشركات الناشئة التي تلقّت تمويلا هائلا قد يكفي لصعود 10 شركات ناشئة أخرى إذا وُزّع عليها.

شركة “Sprig”.. سوق توصيل الطعام ليس سهلا لهذه الدرجة

تأسست في العام 2013 بسان فرانسيسكو كشركة متخصصة في توصيل الطعام الصحي، صعودا مع موجة النمو الكبـرى في سوق توصيل الطعام عموما الذي كان وما زال مشتعلا حتى الآن. استطاعت الشركة أن تؤمّن تمويلا كبيـرا في الفترة التي تلت إطلاقها مباشرة، ليصل إجمالي تمويلها إلى 56 مليون دولار استثمـارات ساهم بها كبار المستثمـرين المغامرين في وادي السيليكون،

بحسب بلومبيرغ، فإن الشركة كانت تتكبّد خسائر تُقدّر بنحو 850 ألف دولار شهريا، وهو ما جعل خيار بيعها يعد ضروريا بالنسبة لمؤسسها “غاغان بياني”، إلا أن قصور نموذجها التجاري وعدم وجود أرباح كافية تغطي تكاليف التشغيل جعل من المستحيل شراءها أو دعمها من مستثمـرين في جولات أخرى، وهو الذي قاد إلى إغلاق الشركة في العام 2017، على الرغم من أنها كانت -بالفعل- تقدّم منتجا ممتازا للأسواق.

شركة “Yik Yak”.. عدم التكيف يقود للفشل رغم وفرة التمويل

التطبيق عبارة عن شبكة تواصل اجتماعي تتيح للمستخدم إنشاء وتصفّح نقاشات يضعها مستخدمون مجهولون موجودون على مستوى خمسة أميال محيطة به، والتفاعل معها بكافة الأشكال سواء بوضع تعليق أو التأييد أو الرفض أو الدخول في نقاشات مطوّلة.
التطبيق استطاع جمع تمويل قيمته 73.5 مليون دولار خلال عام واحد، وارتفعت قيمته بشكل كبير لتصل إلى نحو 350 مليون دولار في زمن قياسي مع تدفّق التمويلات من ناحية، والارتفاع الجنوني في مرات تحميل التطبيق من ناحية أخرى. ومع ذلك لم تستمر هذه الموجة كثيرا إلا وبدأت أعراض الهبوط قادمة لا محالة.

لم يقم المؤسسان بتعديل سياسة التطبيق في حذف المضايقات والمحتوى المسيء، ولم يقوما بتطويره أيضا ليتلاءم مع ثورة التراسل بالفيديو التي ظهـرت في تلك الفتـرة، وهو ما جعل التطبيق يتراجع بشكل تدريجي بين أوساط المستخدمين، لدرجة أنه في نهاية العام 2016 كان عدد تحميلات التطبيق قد تراجع بنسبة 76% مقارنة بالتحميلات التي تمّت في العام 2015، أي بنسبة انخفاض ضخمة في تحميلات التطبيق واستخدامه.

بقدوم أبريل/نيسان من العام 2017، أُعلن عن إغلاق شركة “Yik Yak” التي كانت تساوي قيمتها ما بين 350-400 مليون دولار بعد شهور بسيطة من إطلاقها، لتتحول إلى نموذج آخر من الشركات سريعة الصعود بشكل صاروخي في التمويل والقيمة، وسريعة الهبــوط بشكل صاروخي أيضا في الانتشار والاستخدام واهتمام السوق من ناحية أخرى.

يستفاد من ذلك أن التمويل “وسيلة” لدفع النمو وتسريعه وليس “غاية” والحصول على تمويل لا يعني أن الشركة أصبحت آمنة أو أنها دخلت منطقة الأرباح، بقدر ما يعني المزيد من العمل المكثف بأساليب أكثر تقدما وبمنهجيـة توسّع أكثر جدارة وأكبر خبـرة. وتظل القاعدة الأهم في عالم تأسيس الشركات الناشئة: أن الطموح مع وجود إدارة ساذجة وسيئة الأداء أو غير متكيّفة مع متطلبات السوق، مصيرها في النهاية إلى الفشل.


* من مصادر متعددة