الأطعمة “فائقة المعالجة”، لماذا نحبها كثيرا وماذا تفعل بأجسادنا؟

  • — الجمعة يوليو 12, 2024

منذ أن اكتشف الانسان التوابل، بات يبتكر طرقا جديدة لتفكيك المواد الغذائية وإعادة تشكيلها، وابداع نكهات للطعام والتفنن في اعداد الوجبات!

لكن ما تفعله لنا الأطعمة التي نتناولها في أجسامنا ربما يكون مثيرا للدهشة بشكل أكبر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطعمة “فائقة المعالجة”.

لماذا يُفرط العديد من الأشخاص في تناول رقائق البطاطس، والحبوب، والكعك، والحلويات، وغيرها من الأطعمة رغم معرفتهم بأن هذه الأطعمة قد تكون غير صحيّة؟

قد يكون ذلك بسبب عمليات التصنيع التي “تهضم” المكونات الغذائية الخام مسبقًا، ما يؤدي إلى إنتاج الأطعمة” فائقة المعالجة” فتتجاوز إشارات الجسم بالشبع.

لكن ما هي الأطعمة “فائقة المعالجة”؟

تُعرَّف (الأطعمة فائقة المعالجة – Ultra-processed food (UPF)) بأنها أطعمةٌ جاهزة للأكل التخليل والتعليب والبسترة والتخمير وإعادة التشكيل – هذه كلها أشكال من معالجة الطعام، والنتائج النهائية غالبا ما تكون لذيذة الطعم.

وتنشأ الأطعمة “فائقة المعالجة UPFs” من المختبرات بدلا من المطابخ، حيث يجري تغييرها لدرجة كبيرة، وتحويلها كيميائيا باستخدام طرق ومكونات غير شائعة الاستخدام عند الطهي في المنزل.

ويُعتبر الطعام فائق المعالجة سريع وسهل الهضم، ولكن هذه ليست الطريقة التي كان من المفترض أن يعمل بها الجهاز الهضمي البشري؛ فهو يقوم بتكسير الأطعمة الكاملة إلى مكوناتها الغذائية المختلفة، وامتصاص تلك الفيتامينات، والمعادن، والمُغذّيات الدقيقة، ثم التخلص من بقايا الطعام غير القابلة للهضم عن طريق البراز.

أوضح الدكتور “ديفيد كاتز”، وهو متخصص في الطب الوقائي، أنه عندما يتحرك الطعام عبر الجهاز الهضمي بطرق لم تقصدها الطبيعة الأم، يفقد الجسم القدرة على إرسال إشارة الشبع إلى الدماغ.

ومع ذلك، كان من الصعب تحديد التأثير الكامن وراء هذه الأطعمة على الجسم، حيث أن جميع الأبحاث في مجال التغذية تقريبًا تعتمد على الملاحظة.

لكن، نجح “كيفن هول”، وهو باحث كبير في المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى في مدينة بيثيسدا بولاية ماريلاند الأمريكية، بإجراء تجربة سريرية في عام 2019، وعزل 20 متطوعًا سليمًا عن العالم الخارجي لمدة شهر واحد.

وتناول الأشخاص الأطعمة فائقة المعالجة لمدة أسبوعين. وفي الأسبوعين المتبقيين، تناولوا نظامًا غذائيًا يتكون من الحدّ الأدنى من الأطعمة المصنعة.

وأوضح “هول” أن كل نظام غذائي يحتوي على الكمية ذاتها بالضبط من السعرات الحرارية، والسكريات، والألياف، والدهون، والملح، والكربوهيدرات، وفي غضون أسبوعين، اكتسب المشاركون في النظام الغذائي فائق المعالجة متوسط رطلين، أي 0.9 كيلوغرام. وفقد المشاركون وزنًا مكافئًا أثناء اتباع نظام غذائي قليل المعالجة.

وذكر هول: “في النظام الغذائي فائق المعالجة، تناول الأشخاص حوالي 500 سعرة حرارية أكثر يوميًا، وكانوا يتناولون طعامهم بمعدل أسرع”،  وتابع: “في بيئة خاضعة للرقابة، هذه أول دراسة تُثبت أن الأطعمة فائقة المعالجة تجعل الناس يتناولون الكثير من السعرات الحرارية، ما يؤدي إلى زيادة وزنهم”.

كيف تؤثر الأطعمة “فائقة المعالجة” على الجسم؟

أجرى الدكتور “كريس فان تولكين” مؤخرا تجربة، حيث تناول طعاما فائق المعالجة لمدة شهر، بطبيعة الحال، لم ينته الأمر بشكل جيد.

فالتجربة، التي كانت جزءا من فيلم وثائقي بعنوان “ما الذي نطعمه لأطفالنا؟“، اتبع الدكتور تولكين نظاما غذائيا حصل فيه على 80 في المئة من سعراته الحرارية من الأطعمة فائقة المعالجة – وهي نسبة شائعة بشكل متزايد للأشخاص الذين يعيشون في دول ذات دخل مرتفع مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والولايات المتحدة.

بعد انتهاء الشهر، رصد الدكتور تولكين مجموعة من الأعراض مثل قلة النوم وحرقة المعدة والخمول والإمساك والبواسير وزيادة الوزن بمقدار 7 كيلوغرامات، وقال “شعرت بأنني أكبر بعشر سنوات”، مضيفا أنه لم يدرك أن “كل شيء كان بسبب الطعام حتى توقفت عن اتباع ذلك النظام الغذائي”.

وقد قدمت دراسة أجريت جنبا إلى جنب مع تجربة الدكتور “تولكين” بعض الأسباب العلمية لذلك.

حيث أشارت “جوليا مينيشيتي”، الباحثة الرئيسية وأحد أعضاء هيئة التدريس بمدرسة طب هارفرد ومستشفى “بريغهام آند ويمنز” في بوسطن، إلى أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالأطعمة التي يتم تفكيكها وإعادة تجميعها، فهي ربما لم تعد تحتوي على العناصر الغذائية التي تحتاجها أجسامنا وتتوق إليها.

وأضافت: “نحن نستهلك سعرات حرارية أكثر، لكنها أقل كثافة من حيث المُغذّيات الدقيقة”.

وربطت دراسات أخرى بين الأنظمة الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من الأطعمة فائقة المعالجة وزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة والسكري من النوع الثاني والاكتئاب.

وأوضح “أنتوني فارديت”، عالم الأبحاث البارز في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية في باريس أنه “قبل الحرب العالمية الثانية، وقبل أن نبدأ في استخدام عمليات التصنيع الغذائية هذه، لم نلاحظ قط مثل هذا المستوى المرتفع من الأمراض المزمنة في جميع أنحاء العالم”.

الاعلانات المكثفة ترسخ الاستهلاك

تقول الدكتورة “بيكيت”،  المفارقة أن التسويق المكثف لهذه الأطعمة يساعد على ترسيخ فكرة استهلاكها بشكل أعمق في أذهاننا، وهو الأمر الذي لا تحتاجه إذ أنها مسببة للإدمان بشكل تلقائي ودون مساعدة تلك الإعلانات.

وتضيف: “كثير من خياراتنا الغذائية تكون غير واعية وبحكم العادة، نحن لا نفكر دائما بما هو صحي، وكلما رأينا هذه الأطعمة في المتجر وفي وسائل الإعلام وفي الإعلانات، زادت احتمالية شرائنا لها”.

الخلاصة .. إذا كنت من عشاق الحلوى والوجبات السريعة المعاد تشكيلها والمشروبات المحلاة صناعيًّا والنودلز الفورية، والنقانق، والبرجر، رقائق البطاطس، والكيك، والحلويات وألواح “الشوكولا” المصنعة، فالنصيحة التي يمكن ان تسديها لنفسك (ومن حولك) من أجل صحة دماغية وجسدية أفضل، هي: تجنب (أو التقليل) هذه الأطعمة على رغم لذّتها.