الأرصفة من أهم مرافق المدن وواحدة من أركان تصميماتها الأساسية، وأصل الأرصفة أنها كانت طريقة لرسم الحدود في المدن القديمة بين الطرق والمباني، لكن مع تطوُّر المدن وتزايد الحاجة إلى ممرات جديدة بدأ يتبلور الدور الوظيفي لرصيف الشارع.
وللرصيف أهمية كُبرى يستمدّها من وظيفته الأساسية كمساحة مخصصة للمارة والمشاة برفعها عن مستوى الشارع (الطريق)، ومن ثَمَّ فهو يؤدي دوراً مهماً في حماية المارة والمشاة وتنظيم حركة السير والوصل بين شارع وآخر بعيداً عن المركبات والدراجات التي يمكن أن تشكِّل خطراً عليهم، ولذلك يفترض في الرصيف أن يتسم بمعايير تصميم هندسي بسيط (غير معقَّد) يسهل المشي عليه، ويعزز من أمان المارة والمشاة؛ يراعي فرق منسوب الرصيف والطريق، ومنسوب الرصيف للرصيف المجاور، وألا يكون في المساحة الخالية من الرصيف أي عوائق أو مضايقات أو منزلقات.
ويتعرض “رصيف الشارع” في بعض المواقع إلى التعدي، ويتألم ولا يستطيع أن يتكلم، خاصة مع تعدد معايير التصميم والجهات التخطيطية والتنفيذية والاستثمار، ومطوري العقارات، فلا يدري الرصيف من المسؤول عنه، ومن الذي يجب أن يدافع عن حقوق المارة والمشاة؟!
ومن الأمثلة التي يتشارك فيها الجميع، وهي ليست حصراً:
١- ارتفاع مستوى الرصيف كثيراً من مستوى الطريق، وعدم تناسب مستوى الرصيف مع الرصيف المجاور بعد تقاطعه مع مدخل أي مرأب أو درج أو تفريع يقطع الرصيف، مما يجعل طريق المارة على الرصيف نوع من الهبوط والصعود المتتالي مما يشكل مجهوداً كبيراً على مفصل الركبة (خاصة لكبار السن)؛ أما الرصيف الأوسط (إن وجد) يُعتبر رصيفاً للأمان للمارة خاصة في الشوارع العريضة، سواء بجعله شديد الضيق، أو بتضييق المساحة الخالية بتشجير معظمه، ووضع الصخور وعدادات ومحطات الكهرباء وأبراج الاتصالات، فلا يوجد نقاط عبور آمنة، وتحتاج إلى جهد «ماراثوني» للعبور.
2- استثمار جزء من الرصيف ومنح تراخيص -أو دون- تحتل جزء من الرصيف (دراجات، “سكوترات”، عربات)، وغضّ الطرف -أحياناً- عن المخالفات التي تحصل على حرم الرصيف؛ كبعض عربات بيع الأطعمة الذين يحتلون الرصيف ووضع جلسات خاصة وحاويات للمياه والوقود، وأقماع لحجز جزء من مسار الشارع؛ كذلك تترك الدراجات و “السكوترات” في أماكن متفرقة بعد استعمالها؛
3- أضف إلى ذلك أن بعض أصحاب المحال التجارية يعدون الرصيف امتداد طبيعي لمحلاتهم فيعرضون عليه ما يشاؤون؛ وكذلك ما يفعله أصحاب المقاهي والمطاعم باحتلال جزء من الرصيف الملاصق لمحلاتهم وبيات كراسيهم وطاولاتهم ومظلاتهم على الرصيف مع عدم ترك مساحة كافية لمرور المشاة ومضايقتهم.
4- هناك فئة المجمعات السكنية أو التجارية أو المستشفيات أو الفنادق أو المرافق الخاصة يعدون رصيف الشارع الذي مملوكاً لهم، ويقومون بحجز الرصيف ومواقفه ومظلاته وتشجيره، ومن أراد التمتع من المارة بجمال المنظر فعليه السير في الشارع المقابل.
5- بعض المباني الرسمية وشبه الرسمية لم يسلم رصيف الشارع من التعدي عليه، وترك مساحة كافية للمارة والمشاة؛ من مداخل خاصة مرتفعة للصعود ومنخفضة للهبوط، وهذا إن سلم الرصيف من الحواجز الأمنية (الصبات الخرسانية)، وحدث ولا حرج عن الوقوف على الرصيف.
6- مبادرة “الرياض الخضراء”، مشروع طموح، ولا خلاف على أهميته، ولكن هناك مبالغة (إفراط) في الرصف وتشجير الشوارع أدى إلى التضييق على مسار المركبات والمواقف خاصة داخل الأحياء، ولعل القائمين على المشروع يعيدون النظر في “رصيف الشارع” تجنباً للسلبيات التي بدأت تظهر في الأحياء التي نفذتها؛ فالمجاورات السكنية تحتاج كي تجد قبولاً، ويعتادها الناس، إلى تنفيذ نموذج غير مكتمل الخدمات، وليس رصف المرصوف وإعادة تشجير المشجر. (موضوع تشجير الشوارع وتكلفة الصيانة والمحافظة عليه وأثره البيئي، له وعليه، ويحتاج مقال آخر بإذن الله تعالى).
لقد كان هناك نماذج متميزة لأرصفة المشاة -يبدو لم يستفد منها، فضلاً المحافظة على بعضها- كرصيف مشاة طريق الملك عبد الله وممر الزهور (جامعة الأمير سلطان)، ورصيف طريق الأمير محمد بن عبد العزيز (التحلية)، وممشى مدينة الملك فهد الطبية (العليا)، وممر مشاة ساحة البلدية (السويدي)، ورصيف ممشى شارع العريجاء … ورصيف ممشى حديقة الملز، … وغيرها من نماذج تعزيز البعد الإنساني في المدينة “الأنسنة”!
ويظل السؤال قائماً: من المسؤول عن “رصيف الشارع”، ويدافع عن حقوق المارة والمشاة في المدينة؟
نترك الإجابة لـ“إدارة المدينة الموحدة”[.]