“لا سَبيلَ إلى مَعرفةِ اللهِ إلَّا بمعرفةِ أسمائِه وصِفاتِه، والتفَقُّهِ في فَهمِ مَعانيها.”
لقد اشتَمَل القُرآنُ الكريم ما لم يَشتَمِلْ عليه غيرُه، من تفاصيلِ ذلك، وتوضيحِها والتعَرُّفِ بها إلى عبادِه، وتعريفِهم لنَفْسِه؛ كي يَعرِفوه، فقد خَلَق اللهُ الخَلْقَ لِيَعبُدوه ويَعرِفوه، فهذا هو الغايةُ المطلوبةُ منهم، فالاشتغالُ بذلك اشتِغالٌ بما خُلِقَ له العَبدُ، وتَرْكُه وتضييعُه إهمالٌ لِما خُلِقَ له .
وقال العلامة السَّعْديُّ: -رحمه الله-” توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ: هو اعتقادُ انفِرادِ الرَّبِّ جَلَّ جلالُه بالكَمالِ المُطلَقِ مِن جميعِ الوُجوهِ بنُعوتِ العَظَمةِ والجَلالةِ والجَمالِ التي لا يشارِكُهُ فيها مُشارِكٌ بوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ، وذلك بإثباتِ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ من جميعِ الأسماءِ والصِّفاتِ ومعانيها وأحكامِها الوارِدةِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، على الوَجهِ اللَّائِقِ بعَظَمتِه وجَلالِه، من غيرِ نَفيٍ لشَيءٍ منها، ولا تعطيلٍ ولا تحريفٍ ولا تمثيلٍ ، ونَفيِ ما نفاه عن نَفْسِه أو نفاه عنه رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من النَّقائِصِ والعُيوبِ، وعن كُلِّ ما ينافي كمالَه”.
وقال أيضاً: “أصلُ التَّوحيدِ: إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأسماءِ الحُسنى، ومَعرفةُ ما احتوت عليه من المعاني الجليلةِ، والمعارفِ الجَميلةِ، والتعَبُّدُ لله بها، ودعاؤُه بها. فكُلُّ مَطلَبٍ يَطلُبُه العَبدُ مِن رَبِّه مِن أمورِ دينِه ودُنياه، فلْيتوسَّلْ إليه باسمٍ مُناسِبٍ له من أسْماءِ اللهِ الحُسنى؛ فمَن دعاه لحُصوِل رِزقٍ فلْيَسأَلْه باسمِه الرَّزَّاقِ، ولحُصولِ رَحمةٍ ومَغفرةٍ فباسمِه الرَّحيمِ الرَّحمنِ البَرِّ الكريمِ العَفُوِّ الغَفُورِ التَّوابِ، ونحوِ ذلك. وأفضَلُ مِن ذلك أن يَدعوَه بأسمائِه وصِفاتِه دُعاءَ العِبادةِ، وذلك باستِحضارِ معاني الأسماءِ الحُسْنى، وتحصيلِها في القُلوبِ؛ حتى تتأثَّرَ القُلوبُ بآثارِها ومُقتَضياتهاِ، وتمتَلِئَ بأجَلِّ المعارِفِ.
فمَثَلًا: أسماءُ العَظَمةِ والكِبرياءِ والمجْدِ والجَلالِ والهَيبةِ؛ تَملأُ القَلْبَ تَعظيمًا لله وإجلالًا له.
وأسماءُ الجَمالِ والبِرِّ والإحسانِ والرَّحمةِ والجُودِ؛ تملأُ القَلبَ محبَّةً لله وشَوقًا له، وحمدًا له وشُكرًا.
وأسماءُ العِزِّ والحِكمةِ والعِلْمِ والقُدرةِ؛ تملأُ القَلْبَ خُضوعًا لله وخُشوعًا وانكسارًا بين يَدَيه.
وأسماءُ العِلْمِ والخِبرةِ والإحاطةِ والمراقَبةِ والمشاهَدةِ؛ تملأُ القَلبَ مُراقبةً لله في الحَركاتِ والسَّكَناتِ، وحِراسةً للخواطِرِ عن الأفكارِ الرَّدِيَّةِ والإراداتِ الفاسِدةِ.
وأسماءُ الغِنى واللُّطفِ؛ تملأ القَلبَ افتقارًا واضطرارًا إليه، والتفاتًا إليه في كُلِّ وقتٍ وفي كُلِّ حالٍ.
فهذه المعارِفُ التي تحصُلُ للقُلوبِ بسَبَبِ مَعرفةِ العَبدِ بأسمائِه وصِفاتِه وتعَبُّدِه بها لله؛ لا يُحصِّلُ العبدُ في الدُّنيا أجَلَّ ولا أفضَلَ ولا أكمَلَ منها، وهي أفضَلُ العطايا مِنَ اللهِ لعَبْدِه، وهي رُوحُ التَّوحيدِ ورَوحُه، ومَن انفَتَح له هذا البابُ انفَتَح له بابُ التَّوحيدِ الخالِصِ، والإيمانِ الكامِلِ، الذي لا يَحصُلُ إلَّا للكُمَّلِ مِن الموَحِّدينَ”
قال الإمام السَّفارينيُّ -رحمه الله-: “تَوحيدُ الصِّفاتِ أن يُوصَفَ اللهُ تعالى بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نفيًا وإثباتًا، فيُثبَتُ له ما أثبَتَه لنَفْسِه، ويُنفى عنه ما نفاه عن نَفْسِه. وقد عُلِمَ أنَّ طريقةَ سَلَفِ الأُمَّةِ وأئمَّتِها إثباتُ ما أثبَتَه من الصِّفاتِ، مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ومن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، وكذلك يَنْفُون عنه ما نفاه عن نَفْسِه، مع ما أثبَتَه مِنَ الصِّفاتِ مِن غَيرِ إلحادٍ في الأسماءِ ولا في الآياتِ”.
قال شيخ الإسلام العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ -رحمه الله- :”فَهْمُ معاني أسْماءِ اللهِ تعالى وسيلةٌ إلى مُعامَلتِه بثَمَراتِها، مِن الخَوفِ والرَّجاءِ والمهابةِ والمحبَّةِ والتَّوكُّلِ، وغيرِ ذلك من ثمراتِ مَعرفةِ الصِّفاتِ” .
وقال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ-رحمه الله-: “من عَرَف أسْماءَ اللهِ ومعانيَها وآمَنَ بها، كان إيمانُه أكمَلَ مِمَّن لم يعرِفْ تلك الأسماءَ، بل آمَنَ بها إيمانًا مجمَلًا، أو عرَفَ بَعْضَها، وكُلَّما ازداد الإنسانُ مَعرفةً بأسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وآياتِه، كان إيمانُه به أكمَلَ”.
وقال الإمام ابنُ القَيِّمِ: -رحمه الله-: “أساسُ دَعوةِ الرُّسُلِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم: مَعرِفةُ اللهِ سُبحانَه بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، ثمَّ يَتْبَعُ ذلك أصلانِ عَظيمانِ:
أحَدُهما: تعريفُ الطَّريقِ الموصِلةِ إليه، وهي شريعتُه المتضَمِّنةُ لأمْرِه ونَهْيِه.
الثَّاني: تعريفُ السَّالكينَ ما لهم بعد الوُصولِ إليه؛ مِنَ النَّعيمِ الذي لا يَنفَدُ، وقُرَّةِ العَينِ التي لا تنقَطِعُ.
وهذان الأصلانِ تابعانِ للأصلِ الأوَّلِ ومَبنيَّانِ عليه؛ فأعرَفُ النَّاسِ باللهِ أتبَعُهم للطَّريقِ الموصِلِ إليه، وأعرَفُهم بحالِ السَّالِكينَ عندَ القُدومِ عليه”.
[الكتيب المرفق مصمم بشكل جميل ويحوي على تعريف موجز بأسماء الله الحسنى وتعريفها مع ذكر ما يدل عليها من القرآن الكريم أو السنة النبوية يساعد على معرفة الله -جل وعلا- للعمل بها، وتعليمها لمن حولك من الأهل والأولاد والأصحاب. ويمكن تحميله بصيفة “PDF” من خلال الرابط التالي : أسماء الله الحسنى].