«لا سموَّ بلا دين، ولا دينَ بلا خُلُق»

  • — الثلاثاء نوفمبر 05, 2024
إن الأخلاق أصول الحياة؛ سُئل النبي – ﷺ-: مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ: «خُلُقٌ حَسنٌ».
ولك أن تصغي إلى هذا السرد النبوي في فضائل الأخلاق:
فعن عمير بن قتادة رضي الله عنه: سُئل رسول الله -ﷺ-: «أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا».
وقال -ﷺ-: «لَيْسَ شَيْءٌ أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ».
وقال-ﷺ-: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ».
وقال-ﷺ-: «إِنَّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
وفي وصية جامعة مانعة، قال -ﷺ-: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
وجاء في مدارج السالكين لابن القيم -رحمه الله-، في وَصَفَ حُسْنَ الخُلُقِ، قيل: هُوَ بَسطُ الوَجهِ، وَبَذلُ الندى، وَكَفُّ الأَذَى. وقيل: حُسْنُ الْخُلُقِ: التحلي بالْفَضَائِلِ، والتخلي من الرَّذَائِلِ. وقيل: بذلُ الجميل، وكفُّ القبيح. وقيل: الدينُ كلُّه خلقٌ، فمن زاد عليك في الخُلُق؛ فقد زاد عليك في الدِّين.
وجاء في شرح الامام النووي -رحمه الله- على مسلم: حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ: بَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ.
وقال الماوردي -رحمه الله- في أدب الدنيا والدين تعريف حسن الخلق، ووصف حَسَنِ الخُلق: أن يكون سهل العريكة، ليِّن الجانب، طليق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة.
وقال العلامة السعدي -رحمه الله- في حُسْنُ الْخُلُقِ: احتمال الجنايات، والعفو عن الزلات، ومقابلة السيئات بالحسنات، وقد جمع الله ذلك في آية واحدة وهي قوله: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
قال الناظم:
أَلا إِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ وَإِنْ نَمَتْ.. فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا تَفُوقُ عَلَى الْكُلِّ.
وَقَارٌ بِلا كِبْرٍ وَصَفْحٌ بِلا أَذَى.. وَجُودٌ بِلا مَنٍّ وَحِلْمٌ بِلا ذُلِّ.
ويقول أمير الشعراء شوقي:
صَلَاحُ أَمْرِكَ لِلأَخْلاَقِ مَرْجِعُهُ.. فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلَاقِ تَسْتَقِمِ
وَالنَّفْسُ مِنْ خَيْرِهَا فِي خَيْرِ عَافِيَةٍ.. وَالنَّفْسُ مِنْ شَرِّهَا فِي مَرْتَعٍ وَخِمِ
لا سموَّ بلا دين، ولا دينَ بلا خُلُق، ولا خُلُق بلا عمل
لقد حدَّد رسول الإسلام -ﷺ- الغايةَ الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته بقوله -ﷺ-: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» [السلسلة الصحيحة]، فكأن الرسالة التي خطتْ مجراها في تاريخ الحياة الدنيا، وبذلَ صاحبُها -ﷺ- جهدًا كبيرًا في مدِّ شعاعها وجمعِ النّاس حولَها، لا تنشدُ أكثرَ من تدعيم فضائلهم، وإنارةِ آفاق الكمالِ أمامَ أعينهم، حتى يسعوا إليها على بصيرة السنة النبوية الشريفة.
وشُرعت العبادات في الإسلام، واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، كلا فالفرائض التي ألزم الإسلامُ بها كلَّ منتسبٍ إليه، متكررةٌ لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظل مستمسكًا بهذه الأخلاق، مهما تغيرتْ أمامَه الظروف.. والقرآن الكريم والسنة المطهرة، يكشفان ـ بوضوح ـ عن هذه الحقائق،
فالصلاة: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].
والزكاة ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ [التوبة: 103]، فتنظيفُ النفس من أدران النقص، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل؛ هو الحكمة الأولى.
ومن أجل ذلك وسع النبي -ﷺ- في دلالة كلمة الصدقة التي ينبغي أن يبذلَها المسلم، فقال: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ لَكَ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالَةِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»
إذن التطبيق (الفعل) هو المِحَكُّ الذي تتَبَدَّى فيه معادنُ البشر، وتتجلى فيه نفوس الأخيار، وتظهر عنده الحقائقُ، وتنكشفُ معه الدقائق؛ الأفعالَ مقرونةً بالأقوال؛ العباراتُ جوفا لا غَناءَ لها.. حتى يصدِّقَها العملُ!
قال الله -ﷻ-: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)﴾ [الزمر].
اللَّهمَّ أنت الملك لا إله إلَّا أنت، ونحن عبيدك، اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عنَّا سيِّئها، لا يصرف عنَّا سيِّئها إلَّا أنت، لبَّيك وسعديك، والخير كلُّه في يديك، والشَّرُّ ليس إليك، نحن بك وإليك، تباركت وتعاليت، نستغفرك ونتوب إليك.