قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة:165].
إنّ من تمام العبادة والتعظيم والطاعة والمحبة لله تعالى ألا يتخذ العبدُ ندًّا له سبحانه؛ سواء كان مَلَكًا، أو نبيًا، أو صالحًا، أو صنمًا، أو متاعًا أو غير ذلك، والند هو: “النظير المناوئ، تقول: فلان ند لفلان أي نظير له مناوئ، فهو أخص من مطلق النظير”، والمؤمنون يحبون الله ويعظمونه وحده لا يشركون به شيئًا، ولا يتخذون معه ندًا ولا شريكًا، ويتوكلون عليه ويلجئون إليه في جميع أمورهم.
جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فيما رواه الإمام البخاري قال: قلتُ: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال -ﷺ-: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك»؛ وهذا الحديث فيه تَنبيهٌ إلى فَسادِ عُقولِ الذين يُشرِكون مع اللهِ غيْرَه، فكما أنَّه سبحانه المتفَرِّدُ بالخَلقِ والإيجادِ، فهو الذي يَجِبُ أنْ يُفرَدَ بالعِبادةِ والتعظيم وَحْدَه لا شَريكَ له، واتخاذ الأنداد من دون الله ينافي تعظيم الله تعالى، كما يأباه العقل السليم والفطرة السوية.
كذلك ينبغي أن يُفْرَدَ وحده في السؤال والطلب؛ لأنه وحده الذي بيده النفع والضرّ، قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام:17]؛ وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» [رواه أبو داود والترمذي].
ومن تعظيم الله تعالى الانتباه إلى الألفاظ التي تقدح في توحيده جلّ وعلا، حتى وإن كان المخاطب بها رسول الله -ﷺ-، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رجلًا قال للنبيِّ -ﷺ-: «ما شاء اللهُ وشئتَ، فقال لهُ النبيُّ -ﷺ-: «أجعلتني للهِ عدلًا؟! بل ما شاء اللهُ وحدَهُ» رواه أحمد.
ومن تعظيم الله تعالى وتوحيده أن يكون الله تعالى هو المحبوب الأعظم في قلبه، وأن تكون محبته وأوامره مقدمة على كل شيء، عن أنس بن مالك رضي الله أن النبي -ﷺ- قال: «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ» أخرجه البخاري.
وأي محبةٍ تقدمت على محبة الله وتعظيمه صارت قدحًا في التوحيد، وعبودية باطلة، وفي تقرير هذا الأصل يقول ابن القيم -رحمه الله-:
ومن أعظم مفسدات القلب على الإطلاق: التعلق بغير الله تبارك تعالى، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه، وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله، وكَلَهُ الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، عن عبد الله بن عُكَيْم الجهني أن النبي -ﷺ- قال: «من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه» [أخرجه الترمذي].
وكل محبة تتولد في قلب المؤمن لشخصٍ أو شيءٍ يجب أن تتبعَ محبة الله تعالى ولا تتقدم عليها، ولذلك كان من دعائه -ﷺ-: «وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ» [أخرجه الترمذي].
وتعظيم الله تعالى في وحدانيته لا يتحقق إلا بالتبرؤ التام من كل صور الشرك والأنداد، عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -ﷺ- قال لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: «يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ والذي نفسي بيدِه، لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ و كثيرهُ؟ قل: اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك وأنا أعلمُ، و أستغفِرُك لما لا أَعلمُ»[صحيح الأدب المفرد] .
اللهم طهّر قلوبنا من الشرك صغيره وكبيره، وارزقنا حبك وحب منْ يحبكَ وحبّ كل عملٍ يقربنا إلى حبك.
[تعظيم الله جلّ وعلا]