وجه الخبير والمستشار التنفيذي “فرانك دانسارت” في مجال الاستشارات التجارية، رسالة إلى المستشارين الشباب والمحترفين، قدم فيها مجموعة من النصائح والتوجيهات من الدروس التي تعلمها من العمل مع مستشارين أكثر خبرة واستثنائية، بعض الممارسات الجيدة التي جربها في حياته المهنية. [تصلح أيضاً للجهات التي تتعامل مع الاستشاريين].
النصيحة الأولى: افهم المشكلة جيداً
ترتبط الاستشارات ارتباطاً وثيقاً بحل المشكلات، والقيمة المضافة الفعلية التي يضيفها المديرون تتمثل في قدرتهم على حل المشكلات التي لم يسبقها مثيل التي تقع في نطاق مسؤولياتهم، ولا تختلف وظيفة المستشار عن وظيفة المديرين في هذه، ولكن المستشار يقوم بذلك نيابة عن عملائه وبعلاقة وثيقة معهم.
ونصيحتي الأولى للمستشار الشاب هي التأكد من أنه فهم بوضوح المشكلة التي يتعين عليه حلها؛ فالمشكلة المصوغة على نحو خاطئ سوف تؤدي إلى حل خاطئ.
ولكن ما هي المشكلة؟ من وجهة نظري، المشكلة هي المسافة بين الحالة الحالية والحالة المرغوبة.
وقد تكون الحالة المرغوبة بسيطة مثل مؤشر الأداء الرئيسي المستهدف، ولكنها قد تكون شيئاً أكثر صعوبة أو من المستحيل قياسه أيضاً، مثل «القدرة على الابتكار».
ما هي الحالة التي نتحدث عنها؟ وما هي الحالة الحالية والحالة المرغوبة؟ وهل هي قابلة للقياس؟ وهل يمكننا تحديد «الوضع الحالي كما هو» و «الوضع المستقبلي المرغوب»؟
ومن ثَمَّ فإن المشكلة ليست «لماذا نحن هنا اليوم؟
إنها “أين نقف اليوم؟” و “أين نريد أن نقف غدًا”؛ إن المسافة بين هذا الوضع الحالي وهذا الهدف هي التي تحدد المشكلة التي يتعين حلها؛ يجب أن يكون هذا واضحًا تمامًا للمستشار الشاب.
وعليه، يمكن تعريف الحل إذن بأنه مسار الإجراءات التي يجب اتخاذها لتقليص الفجوة بين الحالة الحالية والحالة المرغوبة.
النصيحة الثانية: اعرف إلى أين أنت ذاهب وضع افتراضات واختبارها
قد تنبهر عند رؤية مقدار الطاقة التي يمكن للمستشارين عديمي الخبرة أن يبذلوها في “معركة” مشروع استشاري؛ إما بقراءة العديد من الدراسات، أو إجراء كثير من عمليات البحث على “الإنترنت”، أو مضاعفة عدد المقابلات، أو إنتاج أطنان من الشرائح في كتابة عرض تقديمي؛ غالبًا عندما تسأل عما كانوا يريدون توضيحه في شرائحهم، تواجهك إجابات معقدة، وإجابات أخرى غير مؤكدة عند طلب ملخصًا موجزًا، أي القصة التي يريدون إيصالها في مدة 30 ثانية.
هذا ليس نقصًا في الذكاء؛ إن المشكلة تكمن في عدم اتباع الطريقة المناسبة التي يمكن أن توفر مئات الساعات من العمل.
والطريقة المناسبة هنا هي: أنه مجرد فهم المشكلة، يجب في البداية أن يجري تبادل للأفكار لإنشاء قصة حول “السبب؟” وراء المشكلة (الأسباب الجذرية)، و”ماذا؟” ينبغي القيام به، و”كيف؟” (الحل).
وسوف تُبنى هذه القصة على عدة افتراضات يجب تحديدها وبيانها.
وتحدث الأعجوبة: بمعرفة ما يحتاج إلى التحقق من صحته أو عدم التحقق منه، ولديك هدف واضح من عمليات البحث والمقابلات وجلسات العمل وما إلى ذلك؛ أصبح الآن التركيز على حل المشكلة، والنقطة المهمة للغاية هي قبول الاضطرار إلى إعادة كتابة القصة مرارًا وتكرارًا للتكيف مع الافتراضات التي جرى التحقق من صحتها، والأهم من ذلك، الافتراضات التي تتناقض مع الحقائق التي جمعت التي قد تغير القصة تمامًا. بعبارة أخرى، “الصدق الفكري”.
هذه الطريقة تسمى “تحليل المشكلة” ويجب أن تكون جزءًا من تدريب أي مستشار.
النصيحة الثالثة: الاستنتاج عدوك والاستقراء حليفك
هذه العبارة استفزازية بعض الشيء، لأنها تفترض أن ثقتك في قدراتك الاستنتاجية محدودة، ولكن، بصفتك مستشارًا، يفترض أن تحكي قصة عن السبب ولماذا والكيفية، وستستند إلى سلسلة من العبارات حول الموقف والإجراءات التي يجب اتخاذها وكيف يجب اتخاذها.
وتتوقع تحدى كل عبارة من عباراتك: ستثير سؤالاً ضمنيًا، مثل “لماذا”… لنفترض أن إحدى العبارات تستند إلى استنتاج مبني على وقائع أو حقائق ” 1، 2 “، إذا اعترض على الواقعة أو الحقيقة رقم (2)، فإن كل الاستدلالات ستضيع، ويرفض الاستنتاج؛ هذا هو خطر الاستدلال الاستنتاجي.
أما الاستدلال الاستقرائي فهو نهجًا مختلفًا وأكثر قوة، خاصة فيما يتعلق ببيان شيء ما، وتكون بالبحث عن ثلاثة أدلة -على الأقل- تكون مستقلة ومكتفية ذاتيًا، لإثبات العبارة، يمكن الفهم بسهولة أنه حتى لو طعن في دليل واحد، فسيظل لديك دليلان لإثبات وجهة نظرك.
عملية العثور على هذه الأدلة الثلاثة هو تمرين لا بد منه لأنه بمجرد دمج هذه الممارسة في عادات العمل الاستشاري، فلن تقترح مرة أخرى عبارات ضعيفة، بل عبارات قوية للغاية مبنية على حقائق.
تسمى هذه الطريقة “مبدأ الهرم”.
النصيحة الرابعة: فهم الدور الاستشاري
إن الاستشارات لها جانب مظلم؛ فقد يطور بعض المستشارين اعتقادات خاطئة بأنهم أذكى من عملائهم ويطورون نوعًا من الثقة المفرطة في غير محلها، ولهذا السبب يُنظر إلى المستشارين أحيانًا على أنهم “متغطرسون”؛ تتمتع هذه الفئة من المستشارين بسمعة سيئة في الاستشارات، ومن الأهمية بمكان أن يفهم المستشار دوره ولماذا طلبت خدماته؛ قد لا يكون لدى الجهة وفريقها الوقت لحل المشكلة، وقد لا يمتلكون الخبرة المطلوبة ولا المنهجيات، لكنهم يعرفون عملهم بشكل أفضل من أي شخص آخر؛ في بعض الأحيان قد تحتاج المشكلة إلى حل بطريقة تكون الحل الأكثر قبولًا لجميع الأطراف، مما يتطلب من شخص خارجي التفاوض على الحل لتبسيط تضارب المصالح المحتمل، وهو أمر نموذجي لمبادرات التحول التنظيمي، وفي أغلب الأحيان، فريق الجهة لديهم بالفعل الحل للمشكلة، ودور المستشار هو المساعدة في صياغة الحل، كوسيط؛ مع مراعاة أنه قد يكون هذا مصدر انتقاد آخر للاستشارة: «يقوم المستشارون بسرقة أفكارنا لتقديمها إلى رئيسنا».
وظيفة المستشار الاستماع إلى جميع المقترحات واختيارها بناءً على تقييم الإيجابيات والسلبيات وإعطاء الأولوية للحلول، وهذا يعني احترام رأي المسؤولين وكذلك الخبرة والتجربة لفرق العملاء؛ مزيج رابح للجانبين حيث يقدم المستشار الأساليب ووقته، وتقدم فريق الجهة المحتوى والخبرة.
النصيحة الخامسة: العمل بسرعة ليس أفضل
قد يكون إنتاج كميات هائلة من شرائح العروض التقديمية مغرياً، ولكن هذا يضر بفريق الجهة؛ لكن يجب أن نفهم أن هدف المستشار ليس إنتاج الشرائح العروض، بل إحداث تأثير دائم وإيجابي على طريقة القيام بالأشياء، ويتعلق الأمر بالتغييرات التي أجريت؛ بصفتك مستشارًا، فإن العمل بمفردك بشكل أساسي مع الحد الأدنى من التفاعل مع الجهة، والانشغال بشكل أساسي بإنتاج الشرائح يجب أن يثير علامة حمراء في ذهنك، والنصيحة هي “العمل معًا أفضل من العمل بسرعة”؛ خذ الوقت الكافي لتنظيم جلسات المناقشة والعمل لمشاركة المشكلة مع فريق الجهة، وتصميم الحلول معًا، وخذ الوقت الكافي لشرح “لماذا؟”، و”ماذا؟”، و”كيف؟” التغييرات المقترحة، والاستماع إلى الملاحظات والمقترحات، وما إلى ذلك. هذا ما يفعله المديرون الناجحين في مؤسساتهم.
النصيحة السادسة: الأرقام هي مجرد أرقام، لا تنخدع بها.
هناك أجيالاً من المستشارين يطورون جداول ونماذج معقدة للغاية للربح والخسارة لتقييم مثلاً عائد الاستثمار في المشاريع، لكنهم يغفلون النقطة الأكثر أهمية: ما الذي نعرفه عن فرضيتنا؟
هل من المنطقي أن نمتلك آلات معقدة ومكلفة ونقوم بتزويدها بمواد غير موثوقة؟
ينبغي أن يخصص المرء أغلب وقته للتحقق من موثوقية فرضية النماذج، مع تخصيص وقت أقل لتطوير النموذج فعلياً؛ ولا ينبغي أن يخفي وجود فرضيات موثوقة حقيقة مفادها أننا لا نعرف شيئاً عن المستقبل، والاحتمالات لا فائدة منها لأن مستقبلك هو رهان فريد في نوعه والاحتمالات تدور حول رهان لا نهائي.
النصيحة السابعة: صيغة «الرضا» السحرية
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن جميع القضايا في مجال الأعمال يمكن إعادة صياغتها -دون استثناء- باستخدام صيغة رياضية تجمع بين عوامل متعددة، ومن ثَمَّ، يمكن تقسيم التحسينات إلى تحسين العوامل الفردية.
إذا كانت هناك صيغة يجب وضعها في الاعتبار، فالأولوية لصيغة «الرضا»: الرضا = إدراك النتائج – التوقع.
عندما تطلق الجهة مشروعًا، أو تقود تحولًا تنظيميًا، أو تتواصل بشأن إستراتيجية مؤسسية، أو تدخل سوقًا جديدًا، وما إلى ذلك، فإن رضا أصحاب المصلحة (المستثمرين والعملاء والموظفين والموردين، وغيرهم) سيكون نتيجة لإدراكهم لما قامت به الجهة مطروحًا منه توقعاتهم بشأن ما كان ينبغي فعله.
ثم، إذا كنت مستشارًا، فاسأل نفسك عما يتوقعه أصحاب المصلحة وما يمكن القيام به للتخفيف من حدة هذه التوقعات ودفعهم في الاتجاه الصحيح؛ اسأل نفسك عن كيفية إدراك النتائج وما يمكن القيام به لزيادة القيمة المدركة.
النصيحة الثامنة والأخيرة: السؤال النهائي: «لماذا لم ينفذ ذلك من قبل؟»
النصيحة الأخيرة هي أن الحلول الواضحة تبقى واضحة في معظم الأحيان، لكن هذه الحلول البسيطة كانت تخفي مشكلة أعمق يمكنني تلخيصها على النحو التالي: لماذا لم يتم تنفيذ هذه الحلول الواضحة قط؟ القيمة المضافة الفعلية التي تكتسبها كمستشار لا تتلخص في الإجابة على السؤال «ما الذي يجب القيام به؟» بل في القدرة على الإجابة على السؤال «لماذا لم ينفذ ذلك من قبل؟»؛ في معظم الأحيان، يكون السبب هو أنه لم يتمكن أحد أو اغتنم الفرصة داخل المنظمة لتسويق القضية التي تسوّغ التكاليف/الفوائد المترتبة على تنفيذ الحل، بسبب العائد غير القابل للإثبات، أو بسبب الأخطار، أو عدم اليقين، أو بسبب نقص الموارد والوقت، أو لأن أحدًا لم يكن على استعداد لتحمل المسؤولية عن النتائج.