افتتح خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان – أيّده الله ورعاه- مشروع قطار الرياض؛ أحد عناصر الرئيسة لـ“شبكة النقل العام بمدينة الرياض”، وفي مقالة بعنوان: “سلمان بن عبد العزيز.. والاستعداد لاختصار الزَّمن” لسمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف -وفقه الله- بين أنه كان هناك رؤية إستراتيجية شاملة لتطوير نظام النقل العام في مدينة الرياض، وأن “قصصًا كثيرة خلفها كان بطلها وعرابها سلمان بن عبد العزيز” و “كانت الرياض السباقة في البدء بفكرة النقل العام (المترو) على مستوى منطقة الخليج العربي، وكانت الدراسات تتم بوتيرة مستمرة منذ أكثر من 25 سنة ماضية، وإن لم تحظ بالتنفيذ بسبب اعتذار وزارة المالية بنقص الميزانيات وعدم توفر السيول، ورغمًا عن ذلك كان -حفظه الله- لا يترك مناسبة إلا ويرفع بمطالب لمدينة الرياض واحتياجاتها من مشاريع البنية التحتية، وكلما زادت الحاجة زاد الإلحاح في المطالبات وتكرارها”، إلى أن “صدر الأمر السامي بخصوص النقل العام للرياض كانت إدارة المدينة جاهزة بالمخططات الأولية والرؤى المستقبلية، ولذلك تمكنت الرياض من التوقيع السريع مع الشركات العالمية لبدء تنفيذ المشروع الأكبر والأحدث لشبكة نقل عام لمدينة أراد عاشقها الارتقاء بها ووضعها على خارطة العالم كإحدى أهم العواصم الاقتصادية والسياحية وأن تكون رياض سلمان ضمن أفضل عشر مدن في العالم”.
وبهذه المناسبة نعرج باختصار على التطور التاريخي للنقل العام في مدينة الرياض (والمملكة عموماً)؛ من “الأجرة الطلب” و”التاكسي الأصفر” و “الليموزين الأبيض” و “خط البلدة” و “النقل الجماعي” إلى “قطار الرياض”، ثم نهمس بكل ود إلى القائمين على “إدارة المدينة” لتحقيق “الذكاء الجماعي” في المدينة.
التنقل قديماً
التنقل ضرورة من ضرورات الحياة التي فرضتها حاجة الإنسان منذ القدم، وتعددت طرقها؛ من المشي على الأقدام إلى الركوب على الدواب (الراحلة) مع ما يصادف من مشقة وعناء طوال الطريق، وكانت القرى والبلدات صغيرة وغير متباعدة البنيان، وبالإمكان أن تذرعها في دقائق معدودة لتصل إلى غايتك، ومع توسع المدن وافتتاح المدارس وهجرة الكثير من الناس من القرى إلى المدن من أجل طلب الرزق، والانخراط في الوظائف خصوصاً في المدن الساحلية التي ظهر فيها البترول، وبدأت المركبات (السيارات) تصل إلى المملكة، مما جعلت الناس يحتاجون إليها كوسيلة تنقلهم إلى غاياتهم، وكان عددها قليلاً – فهي باهظة الثمن – فلجأ الكثيرون إلى ملاكها من أجل حملهم بالأجرة بقدر معين من المال.
وكان التنقل بالسيارات القديمة – قبل انتشار “الإسفلت”- مجهد وغير مريح حيث كانت “غمارة” واحدة وصندوق كبير، وأغلب هذه الرحلات كانت تحمل الركاب من القرى البعيدة من شتى أنحاء المملكة إلى مدن الحجاز لأداء مناسك الحج حيث تنشط حركة السفر، وكانت سيارات الأجرة -غالباً- من نوع “لوري غمارة”، ثم بدأت ترد سيارات “لوري مصندقة”؛ حافلات صغيرة الحجم وفرت للركاب نوعاً من الراحة إلى حد ما.
محطات سيارات الأجرة
بعد أن توسعت المدن، وانتشرت وتعددت سيارات الأجرة جرى تخصيص مواقف خاصة بها، تسهيلاً على الراغبين في التنقل والترحال الوصول إليها، وكانت تسمى قديماً “الاستيشن” من اللغة الإنجليزية، وكان من أبرز هذه المحطات وأشهرها في الرياض؛ محطة “استيشن الحجاز” في دخنة بجوار جامع الإمام تركي بن عبدالله من جهة الجنوب، ومن ثم انتقلت إلى البطحاء، كما كان هناك محطة “كيلو ستة” ومحطة “عايش” وغيرها، وكانت هذه المحطات محطات وصول وارتحال على مدار الساعة، وتقف فيها سيارات الأجرة بانتظام بحيث من يأتي من سيارات الأجرة أولاً له الحق في السير بالركاب أولاً، ولم تكن تتحرك ولا سيما إلى المدن البعيدة إلا بعد أن تكتمل بالركاب والذين يكونون في الغالب خمسة ركاب، وقد يضطر المسافر إلى قضاء ساعات إلى أن يكتمل العدد لتتحرك السيارة، وتنطلق في رحلتها، وفي بعض الظروف الطارئة يقوم راكب واحد بدفع قيمة الأجرة كاملة، ويستقلها وحده أو بعدد أقل من الخمسة.
الأجرة الطلب!
لقد كانت سيارات الأجرة أول وسيلة نقل عام حديثة ظهرت في البلاد، وأغنت الناس عن استعمال الوسائل البدائية، ولما كان يتعذر على جل الناس امتلاك سيارة خاصة في ذلك الحين، لجؤوا إلى “سيارات الأجرة”؛ عندما يحتاج شخص إلى التنقل والترحال (مشوار على الطلب) فإنه يلجأ إلى من يمتلك سيارة، ويتفق معه على توصيله إلى المشوار الذي يريد، وَيُسَمَّى ذلك ب “سيارة طلب” بمقابل مالي، وإذا كان هناك أكثر من راكب يقسم المبلغ بينهم بالتساوي، وبذلك يقوم صاحب السيارة بالذهاب بهم إلى أي مكان يريدونه لقضاء لوازمهم (لزومهم)، إلى حين تطور الأمر في المدينة وتخصيص سيارات خاصة للأجرة، التي عرفت بـ”التاكسي الأصفر”، ومن بعده “الليموزين الأبيض”.
“التاكسي الأصفر” و “الليموزين الأبيض”
كانت كلمة “تاكسي” ترسم فوراً في ذاكرة الجيل الذي عاصرها صورة سيارة صفراء اللون تعتليها لوحة صغيرة مكتوب بها “تاكسي”، ومن الخلف نفس الكلمة لكن باللغة الإنجليزية، وكانت مطلب كل من يريد التنقل إلى أي مكان، ومما كان يميز سيارات الأجرة قديماً هو أن معظم من يعمل بها هم من كبار السن حيث يتحلون بالرزانة والصبر والخبرة فعندما تركب مع أحدهم تجد منه حديثاً شيقاً مشوباً بكثير من الذكريات والتجارب في الحياة، وربما استفدت منه في معرفة كثير من الأخبار والقصص والتأريخ.
بدأت سيارات “الليموزين” تظهر في عام 1400ه، وذلك عندما قررت وزارة المواصلات إنشاء مجموعة من السيارات تنطلق من المطارات الدولية، وتحتسب فيها التكلفة بالمشوار، وقربه أو بعده عن المطار، وذلك عوضاً عن سيارات الأجرة “التاكسي” ذات اللون الأصفر، ثم جاءت خطوة تطوير سيارات الأجرة وتوحيد عملها، في عام 1414ه، وسميت “الأجرة العامة”، ورغم تغير الاسم إلى “الأجرة العامة” لكن كلمة “ليموزين” ما زالت مرتبطة بأذهان الناس، وتعني سيارة أجرة نظيفة يقودها سائق خاصّ، ثم ظهرت تطبيقات خدمات شركات التوصيل “أوبر وكريم”.
“خط البلدة” و “النقل الجماعي” و “حافلات الرياض”
“خط البلدة” كان إحدى وسائل النقل قديماً بالحافلات -على مدار ما يقارب الخمسين عاماً- وكانت تنقل الركاب بمبالغ زهيدة داخل المدن عبر حافلات من نوع “الكوستر” بأشكالها وأحجامها المختلفة، واعتمد عليها الناس في تنقلاتهم حتى خلال موسم الحج؛ وكانوا ينتقلون بين محطات هذه الحافلات، ويصلون لوجهتهم بمبلغ زهيد، وهي مهنة قديمة يمارسها سعوديون في الرياض منذ السبعينيات الهجرية، وفي جدة في منتصف الستينيات الهجرية.
تأسست الشركة السعودية للنقل الجماعي “سابتكو” في عام 1978، لغرض نقل الركاب بالحافلات على شبكة الطرق العامة داخل المدن، وإلى خارج المملكة، ومع الحاجة إلى خطة جديدة لتطوير النقل العام بمدينة الرياض، أحيلت حافلات «خط البلدة» وحافلات «النقل الجماعي» القديمة إلى التقاعد، مع انطلاق شبكة “حافلات الرياض” الجدية، لتكون الرافد الرئيسي لشبكة “قطار الرياض”، كناقل رئيسي للركاب ضمن الأحياء وعبر مناطق المدينة الممتدة الأطراف، وتتوافق مع المخطط العمراني للمدينة.
قطار الرياض
جاء مشروع “قطار الرياض” للنقل داخل العاصمة الرياض كجزء من مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام بمدينة الرياض، الذي يُعد إحدى خطط الهيئة الملكية لمدينة الرياض لتوفير حلول متكاملة للنقل العام في العاصمة الرياض وتزويد سكانها وزوراها بخدمات نقل عام تلبي احتياجاتهم الحالية والمستقبلية؛ عبر شبكة نقل حديثة توفر للسكان خيارات تنقّل اقتصادية، وتعزز الاقتصاد المحلي، والمحافظة على البيئة، وتسهم في الحد من استخدام المركبات الخاصة، إضافةً إلى تسهيل حركة المرور في المدينة، وربط مختلف أجزائها من خلال: (6 مسارات للقطار، 85 محطة قطار، 80 مساراً للحافلات، 2,860 محطة حافلات، 842 حافلة).
فجزى الله خيراً كل من درس وخطط ونفذ وأسهم، وتعاون لتحقيق هذا الإنجاز من السابقين واللاحقون، وبارك الله في جميع الجهود، ونفع بها البلاد والعباد. آمين
…
[همسة ود إلى القائمين على إدارة المدينة]
لقد أصبحنا اليوم على مشارف تطور حضري وتفاعل عمراني جديد، تتخطى فيه إدارة المدينة مهمتها في توفير البنى التحتية المترابطة، إلى تحقيق “الذكاء الجماعي للمدينة” عبر إشراك السكان (المواطنين، والزائرين)، وقطاع الأعمال والأجهزة الحكومية بنظام تشاركية فعّال وممكن للحلول، يزيد من أعداد المبدعين من الكوادر البشرية المحلية، وتعزيز الخبرات اللامركزية، لتصبح المدينة أكثر تواصلاً وارتباطًا وتعاونًا؛ شراكة جديدة تتواصل وتبادل المعلومات والمعرفة بين إدارة المدينة والسكان والأعمال؛ بوتقة تجعل “المدينة-كمنصة” تعزز وتستفيد من “تجربة السكان” و “الابتكار المدني”، ويتحول فيها دور أجهزة المدينة من “فعل الأشياء” إلى “تمكين المشاركة”، واعتماد أسلوب جديد للحوكمة تعزز عملية صنع القرار في المدينة، وتساعد في تحسين الخدمات، وتحقق نوعية أفضل للحياة، وتكفل -بإذن الله- للجميع المحافظة على المكتسبات في المدينة والجودة النوعية والاستمرارية.
واللهُ مِنْ وراءِ القَصْدِ.
[لقطات مصورة]
نقل الناس وأمتعتهم مصدر رزق للكثير قديماً
سيارات تحت الطلب قديماً
سيارات الأجرة الصفراء في بداية استحداث “التاكسي”
سيارات نقل المسافرين قديماً “اللوري المصندق”
“خط البلدة “
حافلات النقل الجماعي “سابتكو”