«والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة»

  • — الأحد ديسمبر 08, 2024

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -ﷺ- ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر-رضي الله عنهما- فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا.

فقال لها رسول الله -ﷺ-: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله -ﷺ- وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق [القِنو من النخل] فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المدية [السكين]، فقال له رسول الله -ﷺ-: إياك والحلوب فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله -ﷺ- لأبي بكر وعمر-رضي الله عنهما-: والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم.» (رواه مسلم).

الشاهد، ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟؛ أفضل ثلاثة في هذه الأمة من أولها إلى آخرها؛ النبي-ﷺ- وَصاحِبَيهِ. أبو بكر وعمر-رضي الله عنهما-، خرجوا بيوتهم ما أخرجهم إلا الجوع ما في البيوت شيء وهم خيار أهل الأرض؛ فذبح لهم الأنصاري -رضي الله عنه-، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله -ﷺ- لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: «والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم».

والله -جل وعلا- يقول في كتابه العزيز: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۝ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ۝ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ۝ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ۝ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ۝ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر:1-8].

قال المناوي -رحمه الله- في “فيض القدير” عن المراد بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾: “قيل: هو شبع البطون، وبرد الشراب، ولذة النوم، وقيل: الصحة والفراغ، وقيل: سلامة الحواس، وقيل: الغداء والعشاء، وقيل: تخفيف الشرائع وتيسير القرآن، وقيل: ما سوى كن يأويه، وكسرة تقويه، وكسوة تغنيه، يسأل عنها ويحاسب عليها، وقيل وقيل”.

وقال الصنعاني -رحمه الله- في “التنوير شرح الجامع الصغير”: في قوله -ﷺ- «إنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ» ، كالتفسير ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ وفيه دليل أن اللام في الآية للعموم، وأنه سؤال عن كل نعيم، فأوله «أن يقال له» يقول له الرب تعالى أو الملك بأمره. «ألم نصح» من أصحه. «لك جسمك» بالعافية. «ونرويك» من الري. «من الماء البارد» وخص هاتين بالأولية؛ لأنهما أم النعم، فإن الصحة هي نعمة مفردة تأتي بكل جمع، فإن كل نعمة في ضمنهما، والتروية من الماء نعمة يقصر اللسان عن وصفها، فإن إيجاد الماء من عجائب نعم الله على العباد” فهذا من النعيم الذي يُسأل الإنسان عنه، وعن كل النعم التي أنعم الله بها علينا جميعاً.

وهنا وقفه للتأمل ومحاسبة النفس.. خيار الناس من الصحابة مع ما هم فيه من العبادة والاجتهاد والزهد والبذل وألوان المجاهدات، ومع ذلك يقول لهم النبي -ﷺ- هذا الكلام «والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة»، فنحن من باب أولى؛ وكيف بالذي يأكل صباح مساء من ألوان نعم الله حتى يشبع، ولا يمر عليه يوم في حياته يخرج من بيته من شدة الجوع، ثم بعد ذلك لا تراه إلا في حال من اللهو والغفلة والتضييع والمعصية؛ يأكل وهو يشاهد الأشياء المحرمة، وسادر في غفلته، ويشرب المعازف على رأسه، والكلام الباطل يسمعه بأذنه، ويتكلم بفيه ويضحك، وقد ينام ملء جفنيه عن الصلوات، وتضييع للجمع والجماعات؛ فماذا نقول مع هذا كله، مع هذه الغفلة والتضييع والتقصير واللهو، مع هذه النعم التي أفاضها الله -جل جلاله- علينا؟!

فأسأل الله ﷻ أن يلطف بنا، وأن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.


[جاء في شرح كتاب رياض الصالحين أورد المصنف -رحمه الله- حديث «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟»]