مكاتب العمل المفتوحة تضرّ الأدمغة وتساعد على انتشار الأمراض وعيوبها تفوق مزاياها!

  • — الأحد يناير 19, 2025

لا تُعد مكاتب العمل المفتوحة مجرد مصدر إزعاج وانتقال الأمراض المعدية فحسب، لكنها أيضا تضرّ عقول الموظفين، تشتيت الانتباه، وقلة التركيز وضعف جودة المخرجات والإنتاجية ما دفع إلى إعادة وضع الجدران والأبواب إلى مكاتبها من جديد!

<<المكاتب المفتوحة>>

الكثير من المديرين الذين نقلوا فرق عملهم إلى مكاتب عمل مفتوحة ليتعاونوا، أرادوا جمع الموظفين في مكان واحد ليتمكنوا من أداء عملهم بيسر وإنتاجية أكثر؛ زعماً أن التداول الحر للموظفين يزيد من التفاعل والصدفة الإبداعية؛ لكنهم اكتشفوا لاحقاً أنهم ارتكبوا خطأً فادحاً؛ إذ كان الكل يعاني من تشتت الذهن، وتراجعت الإنتاجية، وأصبح عدد من الموظفين غير مرتاحين في عملهم، وكذلك أصبح المديرون أنفسهم غير مرتاحين من الوضع العام.

قلة التركيز

هناك عددا من الدراسات أظهرت أن العمل في أماكن عمل مفتوحة، يصبح أقل إنتاجية بنسبة 15 في المئة، ويعاني الكثير من أجل التركيز في مهام العمل، ويصبح الموظف أكثر عرضة على نحو مضاعف للإصابة بالأمراض، وقد أسهمت كل هذه الأمور في تنامي ردود الفعل السلبية تجاه أماكن العمل المفتوحة.
يوجد سبب وجيه واحد يجعل العاملين يحبذون العمل داخل أربعة جدران لها باب يمكن إغلاقه، وهو القدرة على التركيز؛ فالحقيقة لا يمكن إنجاز مهام متعددة لأن شيئا واحدا يشتت الانتباه يمكنه أن يؤدي إلى يفقد التركيز لفترة لا تقل عن (20 د) عشرين دقيقة، عِلَاوَة على ذلك، يمكن لأماكن عمل مفتوحة أن تؤثر سلباً في الذاكرة، وينطبق هذا الأمر على وجه خاص على المكاتب المشتركة التي يتناوب الموظفون الجلوس عليها؛ وهذا نمط مبالغ فيه من أنماط المكاتب المفتوحة، حيث يجلس الموظفون في مكان مختلف كل يوم، حاملين معهم أجهزتهم وأدواتهم.

ليس هناك تعاون كما نتصور

تعد أصوات الضوضاء والصخب هي المسؤولة على تشتيت الانتباه؛ توصل أساتذة بجامعة سيدني إلى أن قرابة (50%) خمسين في المئة من العاملين في أماكن عمل مفتوحة بالكامل، وما يقرب من (60%) ستين في المئة ممن يعملون في حجرات بسقوف منخفضة، غير راضين عن خصوصية محادثاتهم، وما يستمعون إليه، أما العاملون في مكاتبهم المنفردة الخاصة، فإن 16 في المئة منهم فقط عبروا عن الشيء نفسه.

وقد وجه فريق البحث أسئلته لموظفين يعملون في مكاتب ذات أنماط عمل مختلفة عن مدى عدم ارتياحهم فيما يتعلق بالبيئة التي يعملون فيها، وما يخص 14 مجالاً متنوعاً منها درجة الحرارة، وجودة الهواء، وخصوصية المحادثات، وما إذا كانت الغرف المغلقة أفضل من الأماكن المفتوحة.
إضافة إلى التكاليف الأقل لأماكن العمل المفتوحة، فإن النقاش الذي يصب في صالح هذه الفكرة أيضا هو التعاون المتنامي بين العاملين، لكن مع ذلك، وحسب الدراسات الموثّقة، يندر أن تؤدي أحاديث مجموعة من الموظفين، حول أمور ليست ذات أهمية، إلى الوصول إلى أفكار لامعة؛ فبدلا من تلك الأفكار، وكما يعرف الكثيرون منّا، فإنه من المرجح أن نسمع زميلاً يتحدث عن هدية عيد الميلاد التي اشتراها لأحد أفراد عائلته، أو عن مشكلاته الشخصية؛ حيث يتبادل الناس أطراف الحديث مع بعضهم البعض، ولكنهم لا يتحدثون أكثر عن أمور تخص العمل؛ ويتضح أن أفضل الأعمال تُنجز عندما التركيز على نحو تام، والنتيجة النهائية هي الجودة الناتجة عن العمل في بيئة هادئة وخالية من الأشياء التي تشتت الانتباه.

عيوب المكاتب المفتوحة تفوق مزاياها

يشير بحث جديد إلى أن المكاتب المفتوحة ليست بالجودة المتوقعة التي يظنها البعض، وإلى أنّ عيوبها تفوق مزاياها؟!

عيوب تصميم المكاتب المفتوحة واضحة لأي شخص سبق العمل في بيئة مكاتبها مفتوحة؛ لا يشجع على المحادثة -خاصةً أي شيء حساس أو غامض من المحتمل أن يجعلك تبدو أحمق-، وبالإضافة إلى ذلك، فإن جودة التشجيع على التفاعل التلقائي تُترجم على نحو خاطئ، فضلاً عن المقاطعات عندما تحاول التركيز في العمل، ومن هنا جاءت المقولة الساخرة القائلة بأن “سماعات الرأس هي الجدار الجديد”، وكذلك التندر بـ”العثور على موظفين في داخل خِزَانَة أدوات النظافة يعملون بعيداً “.

إذاً؛ فهل “الامتيازات” في المكاتب المفتوحة تفوق “المثالب”؟

قد يكون لدى البعض إجابة، لكن عدداً من علماء النفس حاولوا مؤخراً الإجابة على السؤال بدقة علمية؛ استطلعت دراسة اثنين وأربعين ألف موظف مكتب أمريكي يعملون في (303) ثلاثمئة وثلاثة مبانٍ لمكاتب، وباستخدام تقييم صناعي قياسي للرضا عن بيئة العمل توصلت الدراسة إلى نتيجة نهائية؛ ألا وهي نفي الادعاء الذي يرى بأنّ المكاتب المفتوحة تُعزّز التواصل وروح الفريق إلى حد كبير!

وتقدم مدونة موجز أبحاث الجمعية البريطانية لعلم النفس مزيداً من التفاصيل حول الدراسة، الذي جاء فيها:

“كان العاملون في المكاتب المغلقة عموماً هم الأكثر رضا عن أماكن عملهم، في حين أعرب العاملون في المكاتب المفتوحة عن استيائهم الشديد من انتهاك خصوصيتهم، وكان هذا هو الحال على نحو أكبر في المكاتب المفتوحة ذات الأقسام، ربما يرجع ذلك إلى أن الشاشات المرئية تجعل من الصعب التنبؤ بالضوضاء المحيطة، وتُشعر بالشخص بأنّه أقل قدرة على التحكم.

تتعلق النتيجة الأساسيّة بما إذا كانت تكاليف فقدان الخصوصية تفوق فوائد تسهيل التواصل بالنسبة إلى العاملين في المكاتب المفتوحة، وقد أظهر التحليل أنّ الدرجات على سهولة التفاعل لم تعوض استياء عمال المكاتب المفتوحة من الضوضاء ومشكلات الخصوصية من حيث رضاهم العام عن مِسَاحَة عملهم.

وخلص الباحثون إلى أنّ النتائج التي توصلوا لها في الدراسة تتعارض قطعياً مع الحكمة المطبقة في قطاع العمل بأنّ التخطيط المفتوح يعزز التواصل بين الزملاء، ويحسن الرضا البيئي العام لعمل الموظفين.”.

هذه إجابة واضحة وحازمة جداً؛ ولكن قد يكون ما زال بإمكان مؤيدي المكاتب المفتوحة تبرير موقفهم بدراسة الجدوى للمكاتب المفتوحة؛ فهي أرخص، ويمكنك حشد المزيد من الموظفين في مِسَاحَة صغيرة دون جدران، ممّا يوفر تكاليف العقارات؟!

قد يتمكن من يتبع نهج توفير بعض التكاليف في الميزانية لتصميم المكاتب المفتوحة دون تكبد أي مصاريف لإرضاء الموظفين؛ لكن الأمر يتطلب الوثوق برغبة موظفيك في اختيار مكان العمل المناسب لهم حتى لا يحشرون في مكان واحد في “مِسَاحَة مفتوحة” تسهل على المديرين مراقبتها والتحكم فيها من مكتبهم المغلقة؟!!

إن فكرة العمل في مكاتب مفتوحة فكرة غير ناجعة إجمالاً، وفيها تضييع جهود العاملين وعدم احترام لخصوصياتهم -رجالاً ونساءً- بعدم توفير بيئة عمل خاصة تدعمهم.