«الزَّمَانِ مجرد وعاء للأحداث الجارية»

  • — الثلاثاء يناير 21, 2025

العصر هو وهو الدهر وهو الزمان، وقد أقسم الله به ﴿وَالْعَصْرِ﴾ لما يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتقلبات الأمور، ومداولة الأيام بين الناس، وغير ذلك مما هو مشاهد في الحاضر، ومتحدث عنه في الغائب، فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلق، وتختلف أوقاته شدة ورخاء، وحرباً وسلماً، وصحة ومرضاً، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً، إلى غير ذلك مما هو معلوم ؛ فالمقصود بالزمان هو المقدار الذي تقع فيه أعمال الناس، وحركاتهم، وجملة ذلك: هو عمرهم في هذه الحياة الدنيا.

قال الملك الواحد الأحد الفرد الصمد: ﴿تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ۝ الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ﴾ [الملك: ١-٢]، وقال ﷻ: ﴿وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ وَإِن يَمسَسكَ بِخَيرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ۝ وَهُوَ القاهِرُ فَوقَ عِبادِهِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبيرُ﴾ [الأنعام: ١٧-١٨] ، وقال جل في علاه : ﴿وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعدَهُ إِذ تَحُسّونَهُم بِإِذنِهِ حَتّى إِذا فَشِلتُم وَتَنازَعتُم فِي الأَمرِ وَعَصَيتُم مِن بَعدِ ما أَراكُم ما تُحِبّونَ مِنكُم مَن يُريدُ الدُّنيا وَمِنكُم مَن يُريدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنهُم لِيَبتَلِيَكُم وَلَقَد عَفا عَنكُم وَاللَّهُ ذو فَضلٍ عَلَى المُؤمِنينَ ۝ إِذ تُصعِدونَ وَلا تَلوونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسولُ يَدعوكُم في أُخراكُم فَأَثابَكُم غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيلا تَحزَنوا عَلى ما فاتَكُم وَلا ما أَصابَكُم وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ ۝ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيكُم مِن بَعدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعاسًا يَغشى طائِفَةً مِنكُم وَطائِفَةٌ قَد أَهَمَّتهُم أَنفُسُهُم يَظُنّونَ بِاللَّهِ غَيرَ الحَقِّ ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ يَقولونَ هَل لَنا مِنَ الأَمرِ مِن شَيءٍ قُل إِنَّ الأَمرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخفونَ في أَنفُسِهِم ما لا يُبدونَ لَكَ يَقولونَ لَو كانَ لَنا مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ما قُتِلنا هاهُنا قُل لَو كُنتُم في بُيوتِكُم لَبَرَزَ الَّذينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ القَتلُ إِلى مَضاجِعِهِم وَلِيَبتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدورِكُم وَلِيُمَحِّصَ ما في قُلوبِكُم وَاللَّهُ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ﴾ [آل عمران: ١٥٢-١٥٤]، وقال عز من قائل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَكونوا كَالَّذينَ كَفَروا وَقالوا لِإِخوانِهِم إِذا ضَرَبوا فِي الأَرضِ أَو كانوا غُزًّى لَو كانوا عِندَنا ما ماتوا وَما قُتِلوا لِيَجعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسرَةً في قُلوبِهِم وَاللَّهُ يُحيي وَيُميتُ وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ [آل عمران: ١٥٦].

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّهُ خَالِقُ الزَّمَانِ؛ هو من مخلوقات الله، لأن الله تعالى خالق كل شيء، فهو خالق الزمان وخالق المكان؛ والمعتقد الإسلامي الصحيح يرى بأن الزمان وعاء للأحداث الجارية على الأرض، وأن الذي يقدر الأمور هو الله- عز وجل- فلا يعتقد المؤمن ان الزمان سبب لحظ أو شؤم أحد، انما الفاعل المقدر لكل شيء هو الله- جل جلاله-، وليس هناك أحداث ارتجالية أو اعتباطية أو عشوائية أو مصادفة تحدث في هذا الكون؛ كل شيء بقدر الله، كل شيء بتدبير الله، كل شيء بأمر الله، والأمر كله بيد الله، وإلى الله ترجع الأمور، فسلّم أيها المسلم تسلم.

سلم نفسك لله وحده فهو سبحانه عليم حكيم.. ضع يديك ورجليك في قيود الشريعة الحنيفة لتتحرر من الخوف إلا من الله، ولا تتذلل لغير الله، ولا تكن ضمن ﴿وطائفة قد أهمتهم أنفسهم﴾، نعم: فكم في هذه الدنيا من لا هم لهم إلا أنفسهم؛ سلموا أمرهم لأنفسهم وللشيطان .

نحن نعيش في زمان قل الخير وكثر الشر عما كان في زمن النبي -ﷺ- لكن لم ينعدما؛ الشر والخير باقيان في هذه الدنيا والصراع بينهما كائن واستعداد الإنسان للخير والشر كائن، وإن غلبة الشر ليس معناه الاستسلام ولا والإتكالية ولا السلبية، إنما معناه أن يأخذ العبد المؤمن بأسباب اتقاء الفتن، بأسباب نشر الخير وعدم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغرس توحيد الله  وحب دين الإسلام والتربية على سنة خير المرسلين وإمام المتقين -ﷺ- والاعتزاز والفخر بذلك في نفسك ومن استرعاك الله عليهم؛ قال -ﷺ- «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وفي رواية: وهُمْ كَذلكَ.» [صحيح مسلم].

فحظ المؤمن أن ينشر الخير وأن يقلل الشر؛ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ يدعو إلى الفضائل وينهى عن الرذائل؛ يدعو إلى العدل وينهى عن الظلم؛ وأظلم الظلم الكفر بالله، وظلم النفس، وظلم الناي بعضهم بعضا؛ يكون في جانب الحق وأهله ويبتعد عن الباطل وأهله ولا يعينهم عليه؛ هكذا هو حال المؤمن حتى يلقى الله تعالى وعليه الحرص على أن عوامل التثبيت؛ كالصحبة الصالحة، وتدبر القرآن العظيم، ومعرفه الله ﷻ واسمائه الحسنى وصفاته، وقيام الليل، والاذكار، وتذكر الموت وأن الدنيا متاع قصير والآخرة خير وأبقى، كل هذه أمور تعين على مواجهة الحياة الدنيا القصيرة بخيرها وشرها.

قال تعالى : ﴿وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ فَلا رادَّ لِفَضلِهِ يُصيبُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَهُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ ۝قُل يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِوَكيلٍ ۝وَاتَّبِع ما يوحى إِلَيكَ وَاصبِر حَتّى يَحكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ﴾ [يونس: ١٠٧-١٠٩].

قال الامام ابن القيم – رحمه الله -: ” اصدق الله، فإذا صدقت عشت بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيك ما تحذره، ولطفه يرضيك بما يقدره ” اهـ.

نسأل الله تعالى أن يجعل يومنا خيرا من أمسنا، وغدنا خيرا من يومنا، وأن يقبضنا إليه غير خزايا ولا مفتونين، اللهم أصلح أحوال المسلمين واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم ومنّ عليهم بفضلك ورحمتك وردهم إلى الحق ردًا جميلاً.. يا عزيز يا لطيف يا حكيم.

آمين