هفوات “القباطنة” الفادحة وإذعان المساعدين المفرط!

  • — الثلاثاء يناير 21, 2025

تعترض متخذي القرار في مستويات القيادة هفوة من هفوات «القباطنة» أو معضلة القيادة المطلقة، والأسوأ عندما تكون تداعياتها كارثية وفادحة!

يُعرّف مصطلح ” كابتنيتس Captainitis” بأخطاء القبطانية أو الكبتنية، ويتجلى بطريقتين خطيرتين: الأولى، عندما يقوم القائد بتجاهل رأي-ملاحظة-نصح-تشكيك المساعدين (أعضاء الفريق). والثانية، عندما تذعن الفرق (المساعدين) على نحو مفرط للغاية وتنفيذ الأوامر حتى عندما يكون من الواضح أن القائد على خطأ فادح.

وهذه الظاهرة لها جذوره في الكوارث الجوية والبحرية، حيث تُؤْخَذُ قرارات القبطان السيئة دون نقاش أو تمحيص من قبل أفراد الطاقم، مما يؤدي إلى نتائج مأساوية؛ وقد وثقت تسجيلات الصندوق الأسود للطائرات مجريات الحوارات بين قباطنة الطائرات ومساعديهم فخلصت إلى أن من الحوادث الجسيمة، ما كان يمكن تفاديه، لو أن «الكابتن» قد أنصت جيداً لتنبيهات مساعديه.

من تلك الحوادث المثيرة، الطائرة التي تحطمت في نهر “البوتوماك” في أوج موجة الصقيع عام 1982، بعد إقلاعها مما يسمى حالياً مطار ريغان في العاصمة واشنطن. التحريات أظهرت الحوار التالي، الذي ينبغي لنا جميعاً تأمله؛ حيث قال مساعد قبطان الطائرة: لنتأكد أو نتفحص الثلج على سطح أجنحة الطائرة.

فرد القبطان بسرعة قائلاً: لا، بل أرى أننا يجب أن نقلع خلال دقيقة واحدة. أشار المساعد إلى أحد العدادات، وهو يهمّ بالإقلاع، فقال: يبدو أن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام.

سكت المساعد هُنيهة، ثم قال بصوت منفعل: يا إلهي فعلاً هناك مشكلة. رد القبطان بصوت متهدج: صحيح هناك مشكلة. وفي أثناء ذلك، سُمِع صوت هدير محركات الطائرة، وهي تحاول الإقلاع بقوة لارتفاعات شاهقة، لكن من دون جدوى.

هنا قال المساعد للقبطان: «لاري! نحن نسقط» (يقصد باتجاه النهر). فقال القبطان بانفعال وارتباك: أعلم ذلك… وفجأة سمع صوت ارتطام الطائرة بالنهر، فلقي الكابتن ومساعده حتفهما مع 76 راكباً كانوا على متن طيران فلوريدا.

وتتجاوز هذه القضية صناعات النقل الجوي والبحري؛ في دراسة شهيرة في مجال الصحة، حاول أحد الباحثين يُدْعَى “تشارليز هوفلينغ” أن يؤدي دور مدير مستشفى، فطلب من الممرضات، بعد التعريف بنفسه، أن يمنحن المرضى كمية مضاعفة من الحد اليومي الأقصى للجرعة المسموح بها من دواء معين. وكانت المفاجأة، أن 95 في المئة من الهيئة التمريضية، استجابت لذلك الطلب، بوصفه صادراً من مدير مستشفى، على افتراض أنه خبير في مجاله؛ المفارقة أن ذلك وقع مع أن الطاقم التمريضي قد نال تدريباً كافياً يرشدهم للجرعات القصوى المسموح بها يومياً من تلك العقاقير، إلا أن الممرضات آثرن الطاعة العمياء لمن زعم أنه مدير مستشفى؛ حتى دون سؤال. لماذا؟!

إن الطبيب، سواء كان “في السلطة” أو “صاحب السلطة”، يمارس نفوذاً كبيراً، وكثيراً ما كان يثبط عزيمة المرؤوسين في مواجهة التحديات أو الأزمات، بسبب معضلة “القبطانية”!!!

تلك مع الأسف معضلة رائجة في بعض الممارسات القيادية، فالغالب ينقاد العاملين تلقائياً لصاحب السلطة، وفي كثير من الأحيان من دون تفكير وتمحيص؛ هذا الخطأ الفادح مسألة ترتكب ليس فقط من قبل القيادي نفسه، بل حتى من مساعديه الذين يستسلمون لما يقوله “كبيرهم”، حتى وإن كان يدفعهم بتسرع نحو التهلكة (أو الفشل) فهم يؤثرون السلامة في علاقتهم الفردية معه، ولو كانت على حساب مصلحة المنظمة أو البلاد بأسرها.

إن “القبطانية” ليس استعراضاً للقوة؛ بل هو ضباب يحجب البوصلة، ويوجه السفينة بعيداً عن الحكمة المهنية والذكاء الجماعي؛ يتعين على القيادة إيجاد التوازن بين الإقناع والمرونة، وخلق بيئة تشجع الحوار المفتوح والمسؤولية المشتركة دون فرض أو عسكرة (نفذ، وأنت ساكت)؟!

كذلك يتعين على المساعدين (أعضاء الفريق) أن يتذكروا أن احترام السلطة لا ينبغي أن يحل محل التفكير النقدي، وتصبح إمعه أو مع الهمل؛ إن أصاب أصبنا، وإن أخطأ أخطأنا!!!

إن مشكلة “القبطانية” ليست مجرد مشكلة قيادية؛ بل إنها فشل تنظيمي وتشريعي يقوض الحكمة الجماعية والذكاء الجماعي، ولا سيما في القطاعات الحيوية حيث يكون اتخاذ القرارات السريعة والمستنيرة أمراً بالغ الأهمية وحاسم.

إن تجنب سلطة “القباطنة” المطلقة، والطاعة العمياء للمساعدين وأعضاء الفريق ليس مفيداً فحسب، بل إنه أمر حيوي وإيجابي وسلامة ونجاة الجميع.