نعم هناك أُناس محتاجون والحاجة ماسة، لكنّ هل كلّ ما يقدّم نافع ومثمر على المدى الطويل؟
إنّ خلق شخص متواكل يعتمد على غيره قد يحدث من خلال ما يمكن تسميته: “الصدقة المسمومة”؛ علينا أن نعمل على تجنبها والتغلب على كلّ أنواعها، عن طريق التنمية وخلق مسؤوليّة واكتفاء ذاتي لدى هذه الفئات المحتاجة وهو -بكل المقاييس- سيكون أفضل لهم، وعلامة بارزة لما يجب القادرين رؤيته في هذا المجال!
علينا أن نستخدم المال والجهد والوقت الذي يُبذل بحكمة لمساعدة الناس المحتاجين كي يبنوا حياتهم بأنفسهم، من خلال قدرتهم على أن يشعروا بذواتهم، ومن ثمّ أن يحملوا مسؤولية أنفسهم.
في كتاب “الصدقة المسمومة” يذكر “روبرت لَبتون” يتحدث عن نتائج بحثه ونتائج تجربته في هذا المجال، ويقدم بعض النصائح المفيدة، ومنها :
- قد تؤدي الصدقة إلى شخص متواكل يعتمد على غيره دائماً؛ لا تقود إلى تحسّن في حياته.
- الصدقة تسحب قدرة من يتلقّاها، وتضعف الأنفة، وقد تخلق حالة عدم الرضا في نفوس من يتلقّون المساعدة.
- التمكين، والتنمية والتطوير للمحتاجين يجب أن يحلّ محلّ الصدقة فقط؛ وليكن “الذين يتلقّون الصدقات” هم الملاّك ؛ انشاء تعاونيّات الأطعمة مثلاً، بتكلفة بسيطة، هي أفضل صرف الطعام مجّاناً.
- لكلّ شيء مقدار يكاد يكفي للمطلوب؛ مقدار كافٍ وغير فائض من المال، وكذلك من الوقت والجهد، لهذا يجب استخدمها على أفضل وجه؛ لا تبدّد منه شيئاً على أمرٍ لا يفيد في إنتاج ثمرة دائمة.
الميثاق المطلوب لمّن يقدّمون خدمة لمساعدة المحتاجين
- لا تصنع للمحتاجين من الفقراء والمساكين شيئاً يملكون القدرة أن يصنعوه بأنفسهم.
- اجعل العطايا قاصرة على الحالات الطارئة.
- ابذل الجهد كي تمكن المحتاجين من خلال إيجاد الوظائف لهم، وإقراضهم، واستثمار نقودهم، واستخدم المنح لتعزيز الإنجازات الشخصية.
- استمع بعناية إلى الذين تريد أن تساعدهم، وخاصّة إلى المشاعر التي لا يعبّرون عنها ولكنّها قد تشتمل على مفاتيح أساسيّة لخدمة مثمرة لهم.
- ليكن خيار التنمية والتطوير من خلال القروض الصغيرة وبناء الثقة بتوجيه الموارد المتاحة، والانطلاق من نقاط القوّة الموجودة قبل قدوم المساعدة إليهم؛ فالتمكين يبدأ من نقاط القوة وليس من المشكلات.
كيفية التحرّك نحو “المساعدة” في وسط ظرف إغاثي طارئ ؟
إنّ عمليّة التطوير والتنمية عملية تتمّ على المدى الطويل؛ إنّها جهد يسعى إلى تحسين مستوى المعيشة لمجموع السكّان وعلى مدى من السنين، وتطوير المجتمع منهج يجري تصميمه لنقل المحتاجين وعائلاتهم ومجتمعهم بطرق تتصف بالاستمراريّة، وبالشمول، وتمر بثلاثة محطات : الأولى: الإغاثة، ثم محطّة: إعادة التأهيل، فالمحطّة الثالثة: التطوير والتنمية. وفق المبادئ التالية :
- اجعل تركيزك على المجتمع؛ ويعرّف المجتمع على أنّه يشمل كلا المكان (الحيّ أو القرية) والعلاقات الاجتماعيّة (شبكات أو تعاونيّات).
- اجعل عمليّة تبادل الخدمة عن قصد وتصميم (اقتصاديّاً، اجتماعيّاً، روحيّاً).
- ركّز على الإيجابيّات، وعلى مواطن القوّة، والأمور ذات الأولويّة.
- ركّز على الاستثمار في البشر في تنميّة موارد الربح المحليّة.
- ليكن سعيك إلى خلق فرص لتوليد الدخل لهم.
- المنح يجب أن تكون على شكل حوافز بدلاً من كونها عطايا فقط.
- ركّز على تطوير القيادات لإنّ دعم القيادات المحليّة يوجد الإمكانات.
- السرعة المطلوبة وليس التسارع وترك الناس وراءك بمسافة كبيرة.
وأخيرا تذكر العبارات التالية وأجعلها في ذهنك دائماً:
- لا يكفي “المساعدة” على المدى القصير – خاصّة للفئات التي تحتاج لمسيرة طويلة.
- بعد أن نتغلّب على “الأزمة الطارئة” فإنّ المساعدات التي تقدّم أو تمارس على شكل مساعدة قصيرة المدى قد يكون تأثيرها سلبياً – بل لا يستغرب أن يكون ضررها أكثر من نفعها …
- “تحسين الأوضاع” ليست العقلية المناسبة للمساعدة، بل لنضع محلّها فكرة “التطوير والتنمية”
- التطوير والتنمية يحتاج إلى نوع من التدريب. فالقوم الذين نسعى إلى تطويرهم يحتاجون إلى أن ينتقل التحكّم في اللعبة إلى أيديهم.
- ليتذكّر من يقدّمون الخدمة أن يكون هدفهم “عمل الخير للآخر” وليس التركيز على مصلحتهم الشخصية…
- على الذين يريدون تقديم الخدمة، وخاصة في فترة التطوير، أن يكونوا حاضرين لأطول فترة ممكنة، وقبل أن يحاولوا “تقديم الحلّ”: عليهم أن يصغوا لمن يريدون مساعدتهم، لا أن يملوا عليهم كيف يتحرّكون…
- الهدف هو الاكتفاء الذاتي لأولئك الذين نصادفهم في المجتمع، وليس التواكل والاعتماد على الآخرين؛ ويعني بشكل خاصّ ألاّ يصبحوا معتمدين دائماً على الفريق الذي يقدّم الصدقات.
وحتى نحقّق ذلك يجب أن يصبح الناس الذين نساعدهم هم الذين يملكون توجيه العمل، وهم الذين يكتشفون الحاجة، وهم الذين يكونون (أو يصبحون) مسؤولين عن أنفسهم وعن مجتمعهم.