التوجّه لإعادة النظر في وضع الجهات الحكومية المتشابهة في الأداء والمتداخلة في المهام، وإنهاء حالة الازدواجية في النشاط الواحد من خلال عملية إعادة هيكلة شاملة للأدوار والمهام المنوطة بالأجهزة والمؤسسات والهيئات الحكومية، يعد أحد أبرز خطوات تطوير القطاع الحكومي وفقا لمبادئ الإدارة بالأهداف التي تتماشى بدورها مع الاستراتيجيات الحكومية المطبقة (مرحلة التمكين)، حيث تسهم “روزنامة” السياسات الإدارية في تعزيز فرص نجاح الاستراتيجيات وتحقيق أهدافها، وفقاً لما هو مخطط زمنياً كماً ونوعاً، كما أنها تتوافق مع تكريس روح الفريق في العمل الحكومي في جميع المجالات الحكومية؛ بحيث تضمن -بمشيئة الله- توافر أقصى فرص ممكنة للاستفادة من الجهود الفردية في إطار الجهود العامة، التي تسعى بدورها إلى تحقيق أهداف واضحة ومحددة، الامر الذي يفتح بدوره المجال أمام التطبيق الصحيح لمبدأ الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، باعتبار أن الأخير يحتاج إلى بيئات عمل إدارية نشطة وفعالة كي يمكن تحقيق أهداف الشراكة والتعاون بين القطاعين.
إن التوجّه نحو “فلترة” الأداء في الجهات والقطاعات الحكومية متشابهة الأداء ومتداخلة المهام، هو خطوة حيوية نحو تكريس الإدارة الفعالة التي تستهدف بدورها تسخير الإمكانيات والموارد المتاحة كافة، من أجل تنفيذ الأهداف الموضوعة، كما أنها تتيح المجال أمام التخطيط بعيد المدى من أجل مواجهة ما هو آتٍ من تحديات تنافسية ومخاطر في مختلف قطاعات العمل والإنتاج.
إن تداخل الأدوار والمهام يعد بوابة لهدر الوقت والجهد، فضلاً عن كونه عقبة أساسية تواجه أي محاولة لقياس فاعلية الأداء المؤسسي في كل وحدة إنتاجية أو قطاع، أو حتى على القطاع الحكومي ككل، باعتبار أن هذا التداخل يعد عقبة هيكلية تحد من فرص التطوير في كل من المؤسسات المتداخلة على حدة، بينما يعد تشابه الأداء سلبية أخرى تغذي الترهّل في الجهاز الإداري، وتفرز مخرجات إدارية منتجة بالفعل، وتكرر الجهد، وتضاعف الإنفاق!!
إن إحدى ركائز تطوير القطاع الحكومي تكمن في التحديد الدقيق للأهداف وفق معايير كمية ونوعية قابلة للقياس في كل مؤسسة أو منشأة حكومية، بما يؤدي إلى كشف مساحات التكرار والتشابه في الأدوار والمهام مع بقية الهيئات والمؤسسات الحكومية المناظرة، كما يسهم هذا التحديد بدوره في تكريس ثقافة المحاسبة والمساءلة، وغرس قيم إدارية حديثة تسهم في تحقيق معايير الجودة، وترسي قواعد قياس الأداء، وتوفر الفرص للرقابة الإدارية كي تؤتي ثمارها؛ في حين أن غياب هذا التحديد الدقيق للأهداف وتشابه الأدوار يقود بالتبعية إلى الازدواجية والتضارب في اتخاذ القرارات، وفرز ثغرات إدارية في تطبيق القواعد والقوانين، ناهيك عن وجود هياكل وظيفية غير ضرورية، وتعددية مستويات اتخاذ القرار وتكرارها بما يؤدي بداهة إلى تهيئة المجال أمام الممارسات البيروقراطية بمفهومها السلبي المتعارف عليه، ووجود تبعات اقتصادية لهذه الممارسات التي تتحوّل بمرور الوقت إلى شبكات عنكبوتية يصعب استئصالها جراء توغلها وتجذرها في بيئات العمل الإداري، لتحدّ من العمل وتنال من جودته وتلقي على كاهل الحكومة أعباء اقتصادية غير مبررة، علاوة على أنها تمثل بحد ذاتها هدراً للوقت والأعصاب، وتصبّ مضاعفاتها الجانبية وتأثيراتها السلبية العديدة في قطاعات ومجالات ومستويات أخرى عديدة.
(عن نشرة “أخبار الساعة” الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية)