تواضعُ الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين -رحمه الله- فرض على جلسائه أن يخلصوا إلى مقصدهم بسؤاله عن أشياء في العلم والدعوة وهموم المسلمين؛ والذي كوّن لصاحبه هذه الشّخصيّة الفريدة التي تحسّ أنّ الخبرة هي ألصق الخصائص بها! الخبرة في العلم والدعوة، وفي السياسة والإدارة والمال والأعمال، وفي خصائص الشعوب والبلدان وسائر شؤون الحياة!. ذلك ما تستخلصه من حديثه؛ عاقل، وصاحب خبرة عميقة بالدين والدنيا!.
أما العبادة والإخبات فظاهران على محياه الطاهر وسمته الزكي، وكلاهما لا يذكر في خصائصه؛ إنما يُذكر بهما ويُذكران به!.
الشيخ مستمع جيد!! يحسن الاستماع إلى جليسه ولو طال حديثه، لا يعجله ولا يظهر له الضجر؛ بل يتفاعل معه فيما يقول؛ وإذا قاطع أحداً فإنما يقاطعه لحكمة لا تخفى على من فهم الشيخ!
وللشيخ صالح عادات في معاشرة الناس والحديث إليهم؛ فهو يخبر الشخص عن ماضي منطقته وأمجادها؛ ويظهر له من البشر والترحيب والإكبار ما لا يفعله المرء إلا مع من يعظمون في نفسه، كما أنه لا يستأنف حديثاً أو جواباً إلا بالدعاء الذي هو أكثر قوله: حفظك الله، حفظكم الله! ولهذه الصيغة من صيغ الدعاء طعمها الخاص على لسانه!.
وإذا كان في الحديث شيء من العمق أو الأهمية بدا ذلك واضحا عليه في نبرات صوته، وفي فركه ليديه على هيئة من يريد التصفيق، وما هو بالمصفق؛ لكنه يحكّ هذه بهذه احتراماً منه لقوانين الكون في جعل الحركة سبباً في توليد الطاقة، والزمن، والحياة، والقوة!.
كان غالب حديثه بالعربية الفصحى؛ اللهم إلا أحياناً يبين فيها عن لسان نجدي أصيل وجميل؛ كلماته في العادة من مثل قوله: ما هو بالحيل.. سَمْ.. ودّك الله يحفظك.. ما انت برادّني!! وغيرها من فرائد الألفاظ التي أخذت من نجدٍ شميمَ عرارها وبشامها وقيصومها؛ ومن العربية الفصيحة بنيتها وجذورها.
وإذا نطق كلمة «أيضاً»؛ فلا ينوّنها كما يفعل الأكثرين؛ بل ينطقها بفتح الضاد مع المدّ…؛ و«أيضا» هذه كثيرة في كلامه؛ لأن السبر والتقسيم من صميم منهجه في التفكير!. كان كثيرا ما يكثر من التوصية بنكران الذات، والانقطاع عن رؤية العمل، وبالاحتساب على الخلق.
ذكر الشيخ في إحدى جلساته أنه خصّص من وقته الثمين لبلاد المسلمين في آسيا الوسطى وروسيا وأوروبا الشرقية مدة شهرين يجوب فيها هذه البلاد؛ دارس أحوالها، ومتفقّداً لأوضاع المسلمين فيها؛ وقد وفّى بِعِدَتِه، وتمّ له ما أراد.
ما أصبح يعنيه بالفعل هو كيفية إعادة الإسلام إلى موقع الصدارة حتى يقود حياة البشر ويكون في مستوى اهتماماتهم وحاجاتهم، ويعنيه أيضا إعادة ما ضيعه المسلمون من خصائص الإسلام الأساسية؛ من فطرة، وربانية، وأخلاق، وغيرها من الخصائص التي لا يتصور الشيخ أن التدين الصحيح يخلو منها؛ ويرى انحسار مد الإسلام وسوء فهم الآخر له ناتجين عن ضمور تلك الخصائص في حياة المسلمين.
لم أكن أقرب الناس إلى الشيخ ولا أظهر تلاميذه؛ إنما جمعني به ودّ خاص وتواصل، وتعضل على نفسك إذا أنت أخضعته لما هو متعارف في دنيا التعارف، فقد تعاونا في تنسيق الدفاع لبعض القضايا المدنية ذات العلاقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد حفزني مشاهدة مقطع مرئي بعنوان “ر م و ز” على جمع هذه الأسطر عن الشيخ صالح الحصين.
لقد حفر الشيخ صالح في نفوس جميع من عرفوه صورة حية للربانية حين يجمّلها العلم، ويزينها الحلم، وتكسوها الحكمة والعقل والخبرة والتواضع أجمل الحلل؛ وهو اليوم في جوار ربه؛ وقد كان -نحسبه كذلك- ممتلئ القلب بحبه وتعظيمه وخشيته؛ فليهنأ بجواره!.
اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك، واجعل مثواه الفردوس الأعلى. وأن يجمعنا وإياه ووالدينا وأهلينا وأحبابنا في مستقر رحمته. اللهم آمين