«آية الموت»

  • — الجمعة أكتوبر 27, 2023

الموت هو الحقيقة اليقينية المطلقة التي لا تقبل الشك، وهو أعظم الشدائد التي تنزل بالبشر في الدنيا، ولا ينكرها أي أحد. ووُصف الموتُ في القرآن الكريم بأنه مصيبة، في قوله تعالى في سورة المائدة ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾.

والْمَوْتِ من الأمور التي طوى الله علمها عن جميع المخلوقات؛ فلا يعلمها نبيا مرسل، ولا ملك مقرب، فضلا عن غيرهما، قال تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

هل يستطيع أحد أن يدفع عن نفسه الموت إذا حان أجله؟ ولا معرفة (أو يختار) كيف سيموت؟ ولا أين ستكون نهايته المحتومة؟

الإجابة بكل تأكيد: لا أحد إلا الله!

إن ما يحدث هذه الأيام من قتل مروع لأهل غزة على يد الأعداء مُصابنا فيه جلل، يجعلنا نتذكر “آية الموت”؛ تلك الآية التي جعلها الله -عز وجل- له وحده لِقطع الآمال عن وجود فردوس أرضي في الدنيا، وجعلها مواساة لقوم آخرين أن الشدة لا تدوم.

فنفوس البشر بأجمعها تتشوف فطرياً للعدل، لا يجرؤ أحد على استنكار مشهد عودة حق لضعيف أُخِذ منه بالقوة، أو عقوبة ظالم طغى وتجبَّر (قد ينازعون في بعض أفراد العقوبات أو في كونه ظالماً، ولكن مع ثبوت ظلمه لا أحد يخالف في ذلك)؛ الحي المصاب منهم قد تعوضه حكومة على ما فقَد، ولكن المقتول ظلماً كيف يصله الخير؟

لا مجال لإيصال الخير إليه في الدنيا، وفي الحروب القاتلون ظلماً قد يسلَموا من العقاب الدنيوي؛ فالله يريد تهيئة أسباب العقوبة للظالم والداعم معاً لينزلها عليهم، فهم يجهلون سنة الله فيهربون من بلائه لعقوبته.

وهنا يجد المرء في نفسه -بالضرورة- متشوفاً إلى الآخرة، ويكون وجودها موافقاً لمقتضيات فطرة البشر، بعيداً عن سفسطة الزنادقة وأصحاب اللوم وال(لو) التي تفتح عمل الشياطين؟!!

فالمسلم المؤمن له “حُسنى” في مجاهدة الأعداء وطلب الظفر عليهم وله أجر ذلك، وله إن لم يُصِب ذلك أجر الشهادة بشرط الإخلاص والاتباع، وأما الكفار فقد ينتصر الله منهم لأهل الإسلام ويقع عقوبته عليهم في الدنيا، والساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر، وحتى تظالمهم بينهم فهو من عقوبة الله العاجلة، وثمة عقوبة في الآخرة ، على أن المظلوم سيُقتص له من الظالم. قال تعالى: ﴿ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار﴾.

وأما من ابتلي من أهل الإسلام ابتلاءً من غير طريق الكفار كأن يبتلى بفقد عزيز كما يحدث من فقد الأرواح في الكوارث (الزلازل والأعاصير والفيضانات) والحوادث (الهدمِ، الغرقِ ، والحَرقِ)  أو ونحوها، فذاك إن صبر فله الجنة والرضا من الله -عز وجل-، والأجر والثواب الجزيل مما سينسيه كل ما رأى في الدنيا من مصائب وشدائد.

فسلموا أيها المؤمنون لما قضى الله ودبّر وشاء وقدّر فمن المحال دفعه، ويصعب على الإنسان بنظرته الدنيوية المحدودة أن يفهم كل الذي يحدث حوله، أو يفهم الحكمة المخفية من وراء فتنة المصائب والإبتلاء بالشر والخير، قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ(٣٥) ﴾ [الأنبياء]

فيا رب أنتَ الحيُّ الّذي لا يَموتُ ، والجِنُّ و الإنسُ يَموتُونَ، ألهمنا وألهم أهلنا في فلسطين الصبر على المُصاب، وأجعل كل قضاء قضيته لنا خيراً، وعاقبتَه رَشَدًا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، واجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وارزقنا الرضى بالقضاء عند المصيبة والإبتلاء، حتى تظهر حكمتك أو يأتينا اليقين.

آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.