(الجزء الرابع)
تحدثنا سابقا عن ثلاثة ضوابط من الضوابط الإدارية السبعة القابلة للتعلُّم التي أشار إليها Jim Burkett في كتابه The Learned Disciplines of Management وهم التخطيط والتنظيم وقياس الأداء، وفي هذا المقال سنفصِّل ضابط آخر هو ضابط التنفيذ :
الضابط الرابع : التنفيذ
التنفيذ هو تجسيد لعمل الإدارة. يتطلب التنفيذ أن يتخذ المدير إجراءات ملموسة لإنزال الأهداف إلى أرض الواقع. والإجراءات الملموسة في التنفيذ تتضمن التأكد من أن كل الأنشطة الحيوية قد تم أداؤها وإكمالها بصورة مُرضية، والتأكد من أن الموظفين قد أدوا الأنشطة الموكلة إليهم على نحو مثالي، والتأكد من تمكين الموظفين من التغلب على المشكلات التي تواجههم. والنتائج الملموسة للتنفيذ الفاعل هي أن الإدارة تجعل الأمور في نصابها الصحيح.
التنفيذ ليس فقط ضابطا إداريا حتميا ولكنه محوري أيضاً. حيث يضع التخطيط و التنظيم و قياس الأداء الأساس للتنفيذ، والتنفيذ في المقابل يمهد الطريق للضوابط التالية: المتابعة، وتقديم التقارير في الوقت المناسب، وحل المشكلات.
التنفيذ عملياً هو بسيط بالمفهوم والمطلب. ومن ناحية المفهوم يستلزم تنفيذ كل الأنشطة التي تحقق الأهداف، وممارستها تقتضي معرفة أن أداء هذه الأنشطة ليس عشوائيا؛ بل تم إسنادها منهجياً إلى أولئك المسؤولين عن أدائها.
بالتالي يكون التنفيذ هو الضابط ذا التفاصيل الدقيقة. بالتنفيذ يتم تحقيق الأهداف عن طريق ربط النتائج المرغوب فيها بالأنشطة التي تُثمرها تلك النتائج، وهذا يجعل التنفيذ حتمياً و مُتوقعاً وإلزامياً. فهو حتمي لأنه يحدد ويُعيِّن أنشطة معينة ليتم إنجازها، ومتوقع لأنه يتوقع أن يتم أداء كل الأنشطة التي تم تحديدها وتعيينها على أكمل وجه، و إلزامي لأنه يُحمِّل من يؤدي الأنشطة مسؤولية أدائها بصورة ممتازة.
بالنسبة للبعض لا يتم تفعيل دور التنفيذ لأنها تستخدم وسائل أخرى غير كافية بدلاً من التنفيذ. فعلى سبيل المثال تستخدم الإدارة الاتصال على نحو شائع كوسيلة لتنفيذ أهدافها. في الشركات والمنظمات التي لها مثل هذه الإدارة يعتقد مديروها أنهم إذا قاموا بالتشديد على رؤية الشركة او المنظمة ورسالتها وقيمها فإن هذه الخصائص المتكررة ستعمل على تحديد الكيفية التي يتم بها أداء الأنشطة. ولا تزال تعتمد على ضوابط إدارية غير مكتملة تأمل أن يمكن هذا مديريها من تنفيذ الأهداف المطلوبة .
لا بديل عن التنفيذ الفاعل إلا التنفيذ الفاعل الذي يستلزم تطوير قائمة تدقيق للتحديد والمساعدة على تنفيذ الأنشطة الأساسية، وإسناد الأنشطة بشكل صحيح للمناط بهم أداؤها، وإشراك الموظفين في أداء المهام الموكلة إليهم بصورة مثالية، وتمكين الموظفين من التعامل مع المشكلات التي تعيق أداءهم.
تطوير قائمة للتدقيق
لا يمكن ترك تنفيذ الأنشطة الرئيسة للصدفة، لذلك يتعيَّن على الإدارة ضمان أن كل الأنشطة الرئيسة يتم أداؤها وإكمالها بصورة مُرضية. ولضمان حدوث هذا على الإدارة تطوير قائمة للتدقيق.
قوائم التدقيق هي أدوات أساسية تُستخدم في التحديد والمساعدة على تنفيذ الأنشطة. وقوائم التدقيق متنوعة فمنها البسيطة المستخدمة في الطبخ (وصفة) وأخرى معقدة كتلك المستخدمة لتشغيل المفاعلات النووية (قوائم المفاعلات النووية). الغرض من قوائم التدقيق هو التأكد من أن كل الأنشطة الأساسية سيتم تنفيذها لضمان أن تنفيذها لا يتم بصورة عشوائية. بالنسبة للذين يؤدون الأنشطة فإن قائمة التدقيق تُعلِمهم وتُوجههم وتُذكِّرهم وتُسجِّل جهودهم، أما بالنسبة للذين يديرون الأنشطة فإن قائمة التدقيق تُسجِّل الكيفية التي يتم بها أداء وتسهيل المتابعة وتقديم التقارير في الوقت الحقيقي وحل المشكلات للأنشطة المعيَّنة.
قائمة التدقيق المطوَّرة تُستخدم لتسهيل الجانب الثاني من جوانب التنفيذ ألا وهو التكليف الرسمي لأفراد معينين أداء أنشطة معينة. هذه العملية تعتبر خطوة حاسمة؛ وذلك لأن المدير عندما لا يكون قادراً أو يكون غير راغب في إجراء تعيينات محددة رسمية للموظفين؛ فإن ما يُثمره أداء النشاط المعين يكون غير مؤكد وغير مُتوقع. وهذا لا يُعتبر تنفيذاً فاعلاً بل مجرد تمنيات.
وبدلاً من ذلك؛ يتطلب التنفيذ الفاعل من الإدارة أن تقوم بتعيين المهام بشكل رسمي؛ بأن تطلب من موظف معين أداء أنشطة معينة باستخدام قائمة التدقيق التي هي بمثابة وثيقة رسمية تثبت أن الأنشطة قد تم تعيينها والتكليف بها.
إشراك وتمكين الموظفين
الجانب الثالث من جوانب التنفيذ الفاعل هو إشراك الإدارة للموظفين لأداء مهامهم بصورة مثالية. والإعتراف بمدى أهمية أن نوصِّل للموظفين الكيفية التي ينبغي لهم أن يؤدوا بها الأنشطة. ومن خلال قياس الأداء تستطيع الإدارة أن تحدد كمياً ونوعياً الكيفية التي يتم بها أداء كل نشاط بصورة مثالية، وإشراك الموظفين لتحقيق ذلك فهو دور المدير.
بلوغ الأداء المثالي ليس سهلاً أو ممكناً دائماً، ومع ذلك فإن إشراك الموظف لبذل الجهد هو دور المدير؛ أي أن يجعله يسعى لأداء المهام الموكلة إليه بصورة مثالية.
إن لإشراك الموظفين تأثيرا حماسيا على الأداء، ومع ذلك فإن استدامة هذا الجهد تتطلب أن يقوم المديرون بتمكين موظفيهم لأنهم ـ الموظفين ـ حتماً ستواجههم معضلات عند محاولتهم أداء الأنشطة الموكلة إليهم بصورة مثالية. عندما تواجه الموظف مشكلات فإن من المتحتم عليه أن يبادر بتحديد المشكلات حتى يتم تحقيق النتائج المرجوة من الأداء.
التمكين يعني المعرفة الوثيقة التي في جعبة الموظفين التي تعينهم على أداء الأنشطة الموكلة إليهم. وهذا يمنحهم فرصة فريدة للاستجابة بشكل مناسب للمشكلات، وفرصة لا تتاح للإدارة. تمكين الموظفين من اتخاذ الإجراءات المناسبة لها أشكال متعددة: فهي قد تعني حل المشكلة، أو التخفيف من وطأة المشكلة، أو إشراك من هم أفضل في حل المشكلة.
إن التمكين يدعو الموظفين لاستلام زمام المبادرة، ويطلب منهم المشاركة في تعيين المشكلات التي تقف أمام أدائهم. وهذه الدعوة تتضمن معاملة الموظفين كزملاء كرام، وإنها تعني أن تعمل الإدارة مع موظفيها لتحسين الأداء.
الموظف المُمكَّن يعالج المشكلات، في حين أن الموظف غير المُمكَّن يقبل بتلك المشكلات.