اتخاذ القرار يعني الاختيار بين مجموعة من البدائل لمواجهة موقف معين أو حل مشكلة محددة. ويعتبر من الوظائف الأساسية للقائد/المدير لجميع المستويات الإدارية؛ وهو من أكثر المسؤوليات تعقيداً على مستوى الإدارة العليا، وتخف كلما نزلنا في الهرم الإداري (التنظيمي)؛ إذ إن الإدارة المتوسطة تمارس اتخاذ القرار بسبل أقل تعقيداً؛ لوجود الأنظمة والتعليمات الأساسية لتنفيذ القرارات، وتصبح روتينية لدى الإدارة التنفيذية نتيجة للوائح والتفسيرات والسياسات والإجراءات.
قد يواجه اتخاذ القرار في المنظمة مشكلة نتيجة لظروف معينة، ويصبح هناك حاجة إلى اتخاذ قرار لتلافيها، أو وجود هدف يتطلب تحقيقه لاتخاذ قرار وتحليل المشكلة ومعرفة أسبابها، وتحديد البدائل، وجمع المعلومات عن كل بديل وتحديد مميزات وعيوب كل بديل، واختيار البديل المناسب وتنفيذه، وفق آليات المفاضلة بين البدائل : ¨الوقت ـ التكلفة ـ المعلومات ـ إمكانية التطبيق ـ صعوبات (المقاومة) ونتائجها على المدى البعيد.
وتعتبر المعلومات ركنا أساسيا في عملية اتخاذ القرارات سواء المتعلقة بالمشكلة وأسبابها، أم ببدائل الحلول ومميزات وعيوب هذه البدائل؛ إلا أن هناك حالات تضطر فيها الإدارة العليا إلى اتخاذ القرار بدون توفر المعلومات، وفي هذه الحالة يكون القرار ذو درجة عالية من المخاطرة وعدم التأكد، من الحالات التالية:
- عدم وجود معلومات مرتبطة بالمشكلة محل القرار.
- صعوبة الحصول على المعلومات لسريتها.
- طول الوقت اللازم للحصول على المعلومة في مقابل ضرورة السرعة في اتخاذ القرار.
- ارتفاع تكلفة المعلومة بشكل لا يتوافق مع الفائدة منها.
وفيما يلي نظريات اتخاذ القرارات:
(النظرية الأولى)
عرف “شستر برنارد” المنظمة بأنها نظام لاتخاذ القرار، واعتبر أن أهم مميزات الإنسان قدرته على الاختيار (اتخاذ القرار)؛ إلا أن هذه القدرة تقل كلما قلت البدائل المتاحة أمامه، وقد فرق “برنارد” بين عدد من القرارات منها:
- القرار الشخصي : وهو القرار المتعلق بخيارات الإنسان في حياته الشخصية الخاصة كقرار الالتحاق بالعمل في منظمة ما، والقرار الشخصي لا يفوض.
- القرار التنظيمي : ويتعلق بالعمل التنظيمي كقرار شراء أو تعين أو فصل موظف، بدء عمل أو ايقافه وغيرها ، والقرار التنظيمي يمكن تفويضه، وقد ميز بين ثلاثة أنواع من القرارات:
- القرارات التنازلية: وهي القرارات الصادرة من الإدارة العليا على شكل أوامر.
- القرارات التصاعدية: وهي القرارات التي تنبع من المستويات الدنيا أو القاعدية وترفع للمستويات العليا لاتخاذ القرار النهائي بشأنها؛ على شكل قرارات مبدئية أو اقتراحات أو توصيات.
- القرارات الناتجة من المبادرة الشخصية؛ ويتضمن هذا النوع بعض المخاطرة مثل عدم موافقة الرؤساء على القرارات أو تجاوز حدود صلاحيات وسلطات الإداري.
كذلك فرق بين القرار السلبي والقرار الإيجابي؛ فالإيجابي يتضمن عمل شيء ما (إنجاز عمل أو وقفه)؛ أما السلبي فهو القرار بعدم اتخاذ القرار (لعدم توفر المعلومات، أو لعدم أهمية اتخاذ القرار بناءً على التقدير الشخصي).
السلطة واتخاذ وقبول القرار
يتوقف قبول القرار على أربعة شروط:
- وضوح القرار: فالقرار الغامض غير المفهوم لا يحتوي على سلطة.
- توافق القرار مع أهداف المنظمة؛ فلا يقبل المرؤوسون -عادة- القرار الذي يتعارض مع أهداف المنظمة.
- انسجام القرار مع مصالح الشخص الذي يوجه إليه القرار؛ فإذا تعارض معها فسوف يفقد سلطته.
- إمكانية تنفيذ القرار.
وبذلك تنقسم القرارات بالنسبة للمرؤوسين إلى أوامر غير مقبولة، وأوامر مقبولة، وأوامر في منطقة الحياد، ولذلك يجب توفر قنوات اتصال فعالة (قصيرة ومباشرة) بين مُصدر القرار وبين منفذه.
(النظرية الثانية)
حيث فرق “هيربرت سايمون” بين عدد من أنواع القرارات منها :
القرار القيمي والقرار الحقائقي؛ فالقرار القيمي يرتبط بالقيم والأخلاق؛ ومن ثم فهي لا تخضع لعملية الاختيار نفسها؛ كذلك لا يمكن وصفه بالصحة أو الخطأ؛ أما القرار الحقائقي فهو القرار القائم على أسس حسابية علمية، ويخضع لعملية الاختيار ويمكن وصفه بالصحة أو الخطأ.
يفرق أيضاً بين القرار الهادف والقرار غير الهادف؛ فالقرار الهادف هو الذي يرتبط بالهدف النهائي، والقرار غير الهادف هو الذي لا يؤدي لتحقيق الهدف النهائي أو يرتبط به.
كذلك فرق بين القرار المبرمج والقرار غير المبرمج؛ فالقرار المبرمج قرار متكرر روتيني ذو إجراءات محددة، والمعلومات فيه واضحة، وغالباً ما تقوم به الإدارة التنفيذية، أما القرار غير المبرمج فهو قرار يحدث لأول مرة ولا يوجد له سوابق يقاس عليها، قرار استراتيجي طويل المدى ويؤثر على نشاط المنظمة، تقوم به الإدارة العليا ويحتاج إلى قدر من الإبداع والمعلومات فيه غامضة (مهام الإدارة العليا غير مبرمجة إلا أنها تعمل على برمجة قرارات الآخرين).
من أبرز آرائه انتقاده لافتراضات المدرسة الكلاسيكية في الإدارة التي تهدف إلى تحقيق أعلى مستوى من العقلانية في اتخاذ القرارات؛ لأن العقلانية الكاملة (المطلقة) (الرشد المطلق) لها متطلبات لا يمكن توفرها في أي قائد/مدير(حيث لا يتوفر الوقت ولا المعلومات والمال، كما أن عقلية الإنسان مقيدة بمحدودية تفكيره وبيئته)؛ فالإنسان بحكم هذه المحدودية لا يدرك إلا بدائل قليلة ونتائج أقل؛ فلا يستطيع أن يختار البديل الأمثل وإنما يكتفي بالبديل المناسب، والإنسان وفق هذا المفهوم هو اكتفائي وليس منفعيا يسعى لتحقيق المنفعة القصوى.
ويرى أن جزءا من عمل القائد/المدير هو التعامل مع الغموض، وأن هناك دائماً درجة من المخاطرة عند اتخاذ أي قرار. وقد سمى المبادئ الإدارية التي نادت بها المدرسة الكلاسيكية بالأحكام أو الأمثال الشعبية من الصعب تطبيقها، وأن السلوك التنظيمي نتيجة لاتخاذ القرارات.
وعرف “سيمون” الاتصال واتخاذ القرارات بالعملية التي يتم بمقتضاها نقل القرار من فرد لآخر في المنظمة، وأن انقطاع القرارات أو تعطل أجهزة الاتصال يؤدي إلى تعطل أعمال المنظمة ونشوب الصراعات والخلافات؛ فالصراع عنده يؤدي الى انقطاع أو تعطل نظام اتخاذ القرارات.
ومن آرائه :
- أن وراء أي عمل أو تصرف في المنظمة عملية اختيار.
- أن عملية الاختيار(اتخاذ القرار) هي عملية مستمرة ودائمة في المنظمة.
- أي تنظيم ينقسم إلى فئتين؛ فئة متخذي القرار وفئة منفذي القرار.
- أن فشل القرار قد لا يكون في اختياره بل في أسلوب تنفيذه.
- أن عملية اتخاذ القرار هي عملية للبحث عن حل وسط موصل للرضى والقناعة بحدود الرشد المحدد بالعوائق البيئية.
(النظرية الثالثة)
هي لـ “شارلس ليندبلوم” حيث ينتقد أسلوب العقلانية المطلقة في اتخاذ القرارات، ويرى أنها أسلوب غير واقعي، وقد وضع نظريته وتشمل أسلوبين لاتخاذ القرار:
1ـ المنهج الأول: المنهج الجذري (Root method) أو الأسلوب العقلاني الشامل، وفيه يقوم الإداري بحصر جميع البدائل التي تدخل في اتخاذ القرار وترتيبها من حيث فعاليتها وتحديد البديل الأمثل بعد مقارنة البدائل من خلال الحسابات الدقيقة والمعقدة والاستعانة بالنظريات والنماذج الرياضية (يشبه العقلانية المطلقة).
2ـ المنهج الثاني: المنهج الفرعي (Branch method) حيث يقوم فيه الإداري بتحديد أهدافه الرئيسة بشكل مبسط؛ وبناءً عليها يحدد بدائل قليلة تدخل في اتخاذ القرار مباشرة، ويستبعد آثارها الاجتماعية، ويتجاهل بعض البدائل الأقل أهمية حتى لوكانت معروفة لديه من خبراته السابقة؛ ثم يقارن بين البدائل ويختار البديل المناسب.
وعلى الرغم من مثالية المنهج الأول إلا أنه لايمكن تطبيقه من الناحية الواقعية؛ خاصة للمشاكل المعقدة؛ لأنه يفترض وجود قدر كبير من المعلومات وطاقات ذهنية كبيرة، وقد تفوق تكلفته ومتطلباته إمكانية المنظمة، ويصلح هذا المنهج للمشاكل البسيطة في المستويات التنظيمية الدنيا؛ بينما يصلح المنهج الثاني للمشاكل المعقدة في المستويات العليا، وعلى الرغم من واقعية المنهج الثاني إلا أن الإداريين يتمسكون بالمنهج الأول.
(النظرية الرابعة)
هي لـ”جمس ثومبسون وزميلة” حيث يرى أن اتخاذ القرار يقع مابين ثلاثة أبعاد وهي : التأكد والمخاطرة وعدم التأكد، ويركز نموذجه في عملية اتخاذ القرار على تحليل المزايا والعيوب للبدائل، وتحديد الأولويات (درجة التفضيل) من بين البدائل؛ ثم يتخذ القرار على أساس حسابات كمية أو تسوية وسطية أو اجتهاد أو إيحاء.
أما (النظرية الخامسة) فهي لـ”شارلس كبنر وتريجو” حيث لم يركزا على حل المشكلات لاتخاذ القرار بل إيجاد الخصائص الرئيسة للمدير الفعال وهي:
1ـ المهارات المؤسسية : وهي المهارات المرتبطة بكونه جزءا من التنظيم مثل القدرة على تحمل مسؤولية وظيفته، والقدرة على تحديد الأولويات، والقدرة على تفويض سلطته في الوقت المناسب، والقدرة على استيعاب متغيرات العمل.
2ـ المهارات البحثية : كالقدرة على استشعار المشكلة وجمع المعلومات الضرورية التي تقود لحل المشكلة.
3ـ المهارات التفكيرية : وتشمل تحليل المعلومات ومعرفة أسباب المشكلة والحلول المناسبة وترتيبها حسب أهميتها، واختيار البديل المناسب.
4ـ المهارات التنفيذية : قدرة المدير على تنفيذ القرار ونقله للمستويات التنفيذية بطريقة واضحة؛ فأكثر الصعوبات التي تواجه نجاح القرار تكمن في عملية تنفيذه ومتابعته.
مراحل اتخاذ القرار:
تعددت النماذج التحليلية لعملية اتخاذ القرار، ورغم ما يبدو من اختلاف بين الباحثين في هذا الموضوع إلا أن هناك عناصر اتفاق بينهم حيث يتفق كل الباحثين في أن اتخاذ القرار يمر بمجموعة مراحل ويختلفون في عدد هذه المراحل وترتيبها. وعلى أية حال نجد أن هناك نماذج تحليلية لها خطوات أساسية يجب أن تتم في ترتيب محدد. فمثلاً نجد أن هناك من يحدد هذه المراحل في :
- تحديد وحصر المشكلة.
- تحليل وتقويم المشكلة.
- وضع المعايير أو المقاييس التي بها سوف يتم تقويم الحل أو وزنه كحل مقبول وكاف للحاجة.
- جمع المعلومات.
- صياغة واختيار الحل (أو الحلول) المفضل واختباره مقدماً.
- وضع الحل المفضل موضع التنفيذ.
وهناك من يضع صورة أخرى :
- تعريف القضية.
- تحليل الموقف القائم.
- حساب وتحديد البدائل.
- المداولة.
- الاختيار.
وقد تكون عملية اتخاذ القرارات رشيدة منطقية هادفة بصيرة العواقب إذا استخدم فيها التمييز وحسن التقدير، وقد تكون خلاف ذلك، على أنها تتخذ الشكل التالي في صورتها الأولى (القرارات الرشيدة) :
- تحديد المشكلة أو الموضوع مثار البحث.
- تحليل الموقف.
- تحديد البدائل والتدبر فيها.
- التفكير في النتائج التي ستترتب على الأخذ بكل من هذه البدائل ودراسة هذه النتائج.
- الاختيار بين هذه البدائل.
الخلاصة… جميع النظريات السابقة ترى ان التسلسل يفترض توفر عنصري الرشد وحسن التقدير، والتمييز، كما يفترض الفرصة للتأمل والتفكّر وإمكان الاختيار بين البدائل، علماً بأن العوامل التي تحد من الرشد في مجال الإدارة تشتمل القيم المتعلقة بالعواطف وميزان القوى وديناميكية الجماعة علاوة على العوامل الشخصية لصاحب القرار.
دروس مهمه…في أتخاذ القرارات في وظايف القائد او المدير……نفع الله بعلمك اﻷسلام والمسلمين..على ماتبذلون من توجيهات وتوصيات ….أنصح مراجعت جميع المقالات للمهندس المستشار البيئي لمن اراد اﻷستفاده بأذن الله